05 March 2008

تجاوز الحدود 2



آخر ما أود أن أسخر منه هو فرحة المصريين بانتصارهم الكروي. أنا لا أتبني الرأي القائل أن فرحة المصريين قد " تجاوزت حدودها ", فأنا لا أعرف أين تقع تلك الحدود المسموح بالفرح داخلها . من حسن الحظ أنه لا يوجد حرس حدود للفرح !
كما أنني لا أتبني على الإطلاق موقفا يرى أفضلية ما للجد على اللعب. بالعكس, ربما أعتقد أنه يبقى للعب – و كل نشاط لا يدعي الجدية و لا ينشد النفع و المصلحة بمعانيهم الجافة - تلك الإمكانية لاختراق اللحظات البائسة و القاحلة ببارق من السعادة يهدى للبشر كمنحة إلهية لا تنتظر المقابل . و أرى روح " اللعب " التي تجعل من سعادة الإنسان غاية صافية و واضحة غاية الوضوح, هي أساس المقاومة " الجدية" ضد استخدام الإنسان أو جعله ثانيا بعد أي غاية أخرى.

ربما يخرج عن حدود ما أود قوله - و من الصعب أحيانا الالتزام بالحدود - أنه حتى " اللعب " لا يسلم من تدخل " الجد " و مشكلاته, لنرى مثلا, " احتكارا " في حق عرض المباريات . ربما لأنه لا حدود حقا بين اللعب و الجد, فكل عمل جدي يحبه الإنسان يجد فيه متعة أعظم من اللعب, كما أن اللعب الممتع حقا هو إبداع و ابتكار, و ربما كان أعظم نفعا من جدية فاقدة للخيال . و من جانب آخر فاللعب بأشكاله محور لأكثر من صناعة و مجال إنتاج و أداة إعلام, كلهم في غاية الجدية في تحقيق الربح . كما أن كثيرا من الجد هو هزل ثقيل الظل, وربما ضره أكثر من نفعه !

يصعب حقا تبين الحدود بين الأشياء , ربما لأنه لا وجود للحدود إلا في تصورات الإنسان و من صنعه . الخط الفاصل تصور مجرد , كل خط يفصل بين مساحتين يحتاج سُمكا ليظهر, فهو مساحة أخرى بدوره, ماذا إذن بينه و بين المساحتين المتخيلتين ؟ خط آخر أم مساحة أخرى من لونين متداخلين ؟
الوجود ظاهرة واحدة متشابكة, و الإنسان يحدد و يرسم الحدود و يصنف الأنواع لكي يمكن أن يسمي الأشياء و يتكلم و يفكر و يعمل. كل موجود يعطي ويأخذ, و يؤثر و يتأثر , بالمعنيين المادي و المعنوي. هو و غيره في علاقة و تداخل مستمرين .
لاحظ الانسياب الإنساني على الخريطة, لا يوجد خط فاصل ينتهي عنده شيء ليبدأ آخر, طيف متدرج بلا حدود من الثقافة المادية و المعنوية و الملامح و اللغات و اللهجات, يسلمك من شيء إلى آخر دون أن تشعر أنك تجاوزت شيئا إلى شيء . ابدأ من القاهرة إلى الدلتا إلى مدن القناة إلى سيناء إلي فلسطين , و من القاهرة للصعيد للنوبة للسودان لإفريقيا . لا توجد حافة تمنعك من رؤية أن الناس متشابهين على جانبي كل حدود, بين النوبة المصرية و السودان , بين رفح المصرية و الفلسطينية, بين السلوم المصرية و ليبيا. لابد أن أضيف صفة "المصرية" لكي أختلق " حدا " في الجمل السابقة لأن المناطق على جانبي الحدود أحيانا بنفس الاسم ! حتى على جانبي البحر تنشأ المدن المتعددة الثقافات التي تأخذ من كل ميناء و تعطي له .

كيف إذن, مع كل هذا التشابك و التداخل و الانسياب, بدا أن الحدود تفصل بين جماعتين من البشر, إحداهما في جانب تعيش نشوة الانتصار الكروي الجميل – جادا أقول ذلك – بينما في الجانب الآخر تعيش الجماعة الأخرى وضعا مأساويا؟
هذا السؤال يمكن الإجابة عليه بعيدا عن الحدود , يمكن لبعض أهل القاهرة أن ينسوا مؤقتا أو تماما أهل غزة, و لكن لو اقتربنا من الحدود, لا يبدو للسؤال معنى : عاش أهل رفح و العريش معاناة أهل غزة وقت حصارهم و بعد "تجاوز الحدود" , تأثروا بذلك شاءوا أم أبوا , تعاطفوا أم تجهموا .هم بالأساس يعيشون معاناة وضع سيناء الخاص و السيئ المرتبط بالمأساة الفلسطينية و توابعها و معاهداتها, هذا فضلا عن القبائل و العائلات "المنقسمة" على جانبي الحدود و بفعلها . و لكن أين الانقسام و الحدود و فعلها.. و أهل غزة- الذين يصل لبعضهم إرسال القنوات الأرضية المصرية, و لا يمكن التزام الحدود بدقة بهذا الشأن - عندما هدأ القصف قليلا, رفع بعضهم الأعلام المصرية وصور أبو تريكة و احتفلوا بالانتصار الكروي المصري !
أين الجد و أين اللعب فيما يخص " الأمن القومي المصري " و سياسة مصر الخارجية .. الأعلام المصرية المرفوعة في غزة , أم " الوطنية المذعورة " خلف حدودها و الوزير أبو رجل مكسورة !

الحدود واضحة جدا من بعيد , من العواصم . و إن اقتربت منها اختفى أثرها . في هذه الحالة لا يصح إلا أن نقلب التشخيص من " طول نظر" إلى " قصر نظر" !


10 comments:

citizenragab said...

اتذكر ان تعريف الحدود كان "هي خطوط تخيليه تفصل بين الدول " ,لكل دولة حدود مختلفة , ما بين حدود قانونية وسياسية وشعبية , وكل وضع يستلزم الحديث عن الحدود بصيغة مختلفة , فازمة غزة حلها في التعامل مع الحدود الشعبية , بينما تستلزم أزمة مثل مقتل سليمان خاطر التعامل مع صيغة الحدود السياسية , و ازمة مثل طابا الحدود قانونية ..

اما بالنسبة لي فالحدود الحقيقية : هي التي تصنعها امي بيني وبين ابي خلال مباريات الكرة والمشاجرات الصباحية .

عمرو عزت said...

citizenragb

الحدود بينك و بين أبيك خلال مباريات الكرة : مؤكد لاختلاف الانتماء أو "الهوية" الكروية , و هذا تحديدا ما أفكر في مناقشتة في الحلقة الثالثة من تجاوز الحدود .
ابقوا معنا !

SOLITUDE® said...

ايه الدماغ العالية دي
الصنف ده شكله جامد
لك وحشة يا هندسة

مرجانة said...

ياااااااااااه خليتني اشوف كلمة حدود بشكل مختلف تماما وطلع ان كلمة حدود دي ثرية جدا
على فكرة انا معجبة بمدونتك اوي جدا يا عمرو فعلا واسولب كتابتك راقي موووووت
ياريت تشوف مدونتي المتواضعة جدا
www.morgana-ana.blogspot.com
تحياتي
مرجانة

Unknown said...

أري أن النشاط الإنساني يحسن تقسيمه بشكل مبدئي و شديد العمومية ليس إلي نشاط جدي و نشاط لعبي بل بالأحرى الي نشاط خلاق و مبدع يسمح بتفجير الطاقات اللإنسانية المبدعة عبرمغامرة الاشتباك الحر و الخطر بآن مع الواقع و الذات اشتباك بلا غاية أو هدف ( خصوصا هدف " سعادة الإنسان" لسبب بسيط هو أن
سعادة الإنسان موضوع تعريف و يتوجب أن يتضمن بشكل مسبق تعريف لماهية الإنسان و هو التعريف الأشد عداوة و خطرا علي أي فعل إبداعي أصيل) و نشاط متشيأ غير خلاق , نشاط أشبه بتنفيذ برنامج معد سلفا محدد الغايات و الخطوات , غرضه الوحيد هو الحفاظ علي بنيات الواقع والذات عبر إعادة إنتاجهما دون أدني اعتبار للإمكانيات الإنسانية الأصيلة و المتجددة دوما و المتجاوزة بالضرورة لكل ما تم إنجازه.

لشد ما يذكرني موقفك تجاه كرة القدم بغفلة عبيط القرية الغارق حتي أذنيه في حبه الأفلاطوني لحسناء القرية و التي ما زال يصر علي دعوتها بعذرائي الحسناء حتي بعد أن تعهرت مع كبراء و أسياد البلدة و أصبحت مطية يطئونها وقتما و كيفما شاؤوا .
نعم يا سيدي لقد تعهرت كرة القدم منذ أن تحولت من لعبة إلى "صناعة" ومن هواية إلى احتراف و" مجال إنتاج"
و من حقل للإبداع الحر والبهجة الخالصة إلى" أداة إعلام"
.
احتكار عرض المباريات و الذي ذكرته كمثال علي تدخل طارىء أوإقحام عرضي للجد في ما هو لعب خالص هو ليس عرضيا بحال أو فلنقل هو عرضيا بمعني" symptom"
أي عرض دال على مرض عضال استفحل و تمكن من كرة القدم كما من كل شيء في حياتنا لدرجة أننا أصبحنا غير قادرين علي إدراكه أو , وهو الأسوأ , ندركه علي أنه بعض من طبائع الأمور و آليات العصر.
لقد فقدت كرة القدم براءتها الأولي منذ أن تعهرت مع أسياد العصر : السياسة(بمعناها الأسوأ أي الدعائية الفجة ترويج السلع السياسية الأسايسة و الأستهلاكية) و الدين(في أشد صوره ابتذالا و اختزالا) وأخيرا و آخرا رأس المال , العامل الفعال الأعلي والمتحكم المطلق في حركة ونشاط العاملين الآخريين.

لقد تحولت كرة القدم مع دخول ما يسمى بالإحتراف الي بنية رأس مالية مكتملة الأركان و تحولنا نحن إلى مشجعين محترفين
متفهمين و متواطئين و أحيانا كثيرة متحمسين لآليات السوق و العرض و الطلب التي أصبحت تتحكم في كل ما يخص اللعبة و تحولت جميع عناصرها إلى سلع تباع و تشتري بدءا من حق إذاعة المباريات مرورا باللاعبين و انتهاء بكرافتات سدنة التعليق و التحليل التليفزيوني في استديوهات التحليل .

لقد كانت بطولة الأمم الأخيرة أشبه بسوق عكاظ
مفتوح تتجاور ولا أقول تتنافس فيه الخطابات
والسلع أو الخطابات-السلع و تحول الفريق المصري ولاعبوه و حتي جهازه الفني الي بؤرة تتقاطع فيها
و تتسابق اليها أصحاب هذه الخطابات .

أتفق معك تماما أن فرحة المصريين لم تتعد الحدود و لكني أختلف معك في أنه ليس للفرح حدود ,فحدود الفرحة مرسومة و محددة تماما بل لعلي لا أبالغ اذا قلت أنها في جانب كبير منه فرحة مصنوعة ومصممة لتمرير وترسيخ أنماط تفكير معينة و خطابات و أشباه خطابات من خلال مابدا كفرحة خالصة و احتفاء بما يشبّه بنشاط إنساني خلاق و مبدع.

هل هي مصادفة أن اللاعب البؤرة أبو تريكة صاحب لقطة غزة الشهيرة هو نفسه اللاعب الذي أصبح قدوة –برغبة منه أو بغير- أخلاقية ودينية
(بلغ معه استثمار الخطاب الديني في الحدث أوجه حتي أن أحد امحللين أكد أن تحركه باتجاه الكره عند احرازه هدف النهائي كات نتيجة أنه لبي نداء الملك
الذي هتف عليه من منتصف الملعب و أكد وجهة نظره بحجة رقمية غير قابلة للدحض و هو أن هذا الهدف هو رقم99 في البطولة و هو عدد أسماء الله الحسني

)
و هو نفسه نجم إعلانات كوكاكولا وبيبسي وغيرهم من "الرعاة" الأجانب للفريق القومي المصري؟


أما فيما يخص مفهوم الحدود فيبدو , كما فهمت أنك تتبني موقفا يرى أن الحدود و الفواصل هي من صنع العقل البشري أو هي مقولات قبلية يسقطها العقل على الواقع بغرض تنظيمه و السيطرة عليه , أما الواقع نفس فهو هيولي و عماء و فوضي خالصين . و أني أري في هذا بعضا من ميتافيزيقا القرن الثامن عشر و بالأخص الإبستمولوجية الكانتية وفصلها التعسفي و المطلق بين العقل الخالص كعنصر فعال و نشط و مبدأ للنظام ومصدر أوحد للمعني و بين واقع هو عماء و فوضي في بنيته و مادة خام خاملة فيما يخص دوره في عملية المعرفة .
أري أن تصوير عملية المعرفة علي هذا النحو هو تصوير قاصر الي حد بعيد و ذلك لسبيبين . أولهما أنها رؤية أستاستيكية الي أبعد الحدود تري إلى فعل المعرفة ونتائجه كأنه مقررة سلفا , فالعقل يأتي محملا بحدوده و مقولاته إلى و اقع هيولي و خامل و يثمر هذا اللقاء معرفة ما دون أن يغير هذا اللقاء شيئا من بنية العقل و دون حتي أن تستهلك هذه البنية و لو جزئيا في هكذا لقاء.
و ثانيهما
أنها تتضمن رؤية للمعرفة كفعل قصدي و عقلاني خالص
وبالتالي كفعل مطلق مؤسس علي ذاته يتضمن حدوده في ذاته
بل و قد تتضمن هذه الرؤية أن هذه الحدود أو علي الأقل ما هو غير قبلي منها هي حدود و مقولات اعتباطية خاضعة لهوي العقل ونزواته من الممكن تغييرها نتيجة لفعل إرادي محض أو علي الأقل لفعل
تأمل و انعكاس ذاتي
. أري أن هذه الحدود بل وبنية ما يسمي العقل ذاته و بنية ما يسمي بالواقع هم نتاج عملية جدل خلاق وحركة مستمرة نتاج عابر و مؤقت بالتأكيد وفي تغير و حركة مستمرة.
هذه الحركة هي مصدر حدود العقل و ثوابته وهي أيضا مصدر زوالها و تبدلها و ليس أي فعل إرادي أو انعكاس ذاتي يقوم به عقل نشط و فعال بمعزل عن واقع خامل و جامد.

عمرو عزت said...

محرز
أهلا بك يا حضرة الأفوكاتو
القلوب عند بعضها

مرجانة
شكرا جزيلا و أهلا بك في فضاء التدوين

Dasein
شكرا لاهتمامك بالتعليق المفصل
أجدني متفقا مع معظم كلامك , و ما أختلف معه هو ما أضفته لكلامي و قمت بالرد عليه .

فمثلا, لا اعتراض لي إطلاقا على تقسيمك المقترح , و لكن يبقى أن كل حدود نضعها هي تدخل تصنيفي لتمييز هويات أو جوانب , بينما يبدو الأمر مفتوحا على الاحتمالات التي تفاجيء الحدود بما هو خارج الهويات و الجوانب المنفصلة , ما يبتلس علينا وضعه هنا أو هناك, فيظل عالقا على الحدود بين مفاهيمنا!

لم أقل أبدا ما فصلته بشأن الحدود, المفاهيم القبلية للعقل و الواقع الهيولي الخامل .
ليس كل ما هو من تصورات الإنسان و صنعه - بحسب عبارتي - هو قبلي . كما أن ما يتصوره الإنسان من مفاهيم يتداخل مع فعله و خبرته و يتداخل بدوره مع الواقع في الجدل الذي أشرت إليه . بهذا المعنى الحدود التي هي من تصورات الإنسان و من صنعه هي بالفعل نتاج جدل معرفي و عملي . و التساؤل بشانها لا يعني ازدراءها بالكلية , و لكن التساؤل بشانها هو استمرار في هذا الجدل و رفض تثبيت أحد نتاجاته تحت أي دعوى .
طبيعة الأمور تقتضي دائما أن أولياء الواقع يرونه الطبيعي و المعقول و يرون التغير و الصيرورة فوضى و مغامرة و خلل . و هكذا تمضي الحياة . فيما يتعلق بالحدود سواء المعرفية أو الواقعية , فهناك أولياء لكل حدود , بدواعي المصلحة أو بتصورات ما تتكيء على رؤية ما للواقع و تنطلق منه . و ما طرحته هو استفهام لهذا الواقع و تساؤل حول طريقة صنعه و تصوره .

كلامك عن كرة القدم , يؤكد ما أشير إليه من التداخل و صعوبة البحث عن حدود .
و أضيف إليه ,أن كل تصور حدي هو تصور مختزل .
فحسناء القرية العذراء التي تعهرت , من الظلم اختزالها الأمر بانه كانت هناك عذراء حسناء ثم أصبحت هناك عاهرة هذه تصورات حدية أيضا !
فهي يمكن أن تظل حسناء كما أنها يمكن ألا تكون "عاهرة" لأن هناك من يستغلها , أو أنها لشهوة ما أتاحت نفسها للاستغلال .أو أنها يمكن أن تكون أرادت إصابة مطمح ما .
في النهاية هناك دائما مساحة للتعاطف, كما مساحة للشك ,هل كانت فعلا حساء عذراء وقتما كنا نظنها كذلك , و هل هي فعلا عاهرة فاجرة وقتما نظنها كذلك .
الأمر نفسه فيما يتعلق بكرة القدم , يظل فيها مهما كان دوافع اللعب مهما تدخلت عوامل الإنتاج و صناعة الإعلام و رأس المال .
و ما بال ا الفنون جميعها , هل كانت في التاريخ خالصة من أي غرض عملي و نفعي .
هل انفصلت عن التجارة و صناعة التسلية و رأس مالها , هل تنزهت عن الاستغلال و الاحتكار و غيرهما .
لا يمكن وضع حدود فاصلة بهذا الشأن ,و لا يمكن إنكار أن الإنسان في سعيه لتحرير ما يجب مما لا يجب عليه أن يدرك أنه لا توجد حدود سيرد ما لا يحبه إلى ما ورائها , هكذا ببساطة . و لكن يسعى لإنفاذ إرادته و يضع " حدا " لقدرته و إمكانات اللحظة و يفعل ما عليه فعله.
لا يتوقف الإنسان عن" وضع الحدود " و تساؤله الدائم هو ما يفتح أمامه باستمرار مساحات جديدة تتفتح أمام طاقات و إمكانات جديدة. ربما لو احترم " حدودا " وضعت في سياق مختلف لحرج واسعا .

و أخيرا , ما أعنيه من " سعادة الإنسان " هو ما يبتغيه الإنسان الفرد و يحدده بنفسه و لنفسه , و هو ما لا يستدعي حدا شاملا و تعريفا جامعا للكل , لا للسعادة و لا للإنسان .

wireless said...

الحدود هذه الكلمه الحزينة والتعيسه

فلا اجد كلمة أتعس منها لان الكل يقول الحدود

ولا يلتزم بها

http://0pp0.net

الى اللقاء

Unknown said...
This comment has been removed by the author.
Unknown said...

* العذراء التي تعهرت هي تركيب مجازي و هو بطبيعته المجازية غرضه تجسيد الفكرة وتقريبها وهذا يتطلب بالتأكيد بعض المبالغة علي حساب الدقة والصرامة العقلية . فأنا أتفق معك أنها صوره مختزلة وحدية و لا تصمد للنقد العقلي الصارم . و أن كانت المفاهيم الحدية تجوز في بعض المجالات فهي بالتأكيد لا تجوز عندما يتعلق الأمر بالنشاط الأنساني و مجالات الفعل التي هي بطبيعتها متشابكة و متعالقة .
فأنا أتفق معك تماما أن كرة القدم لم تكن يوما في معزل عن مجالات الفعل الأنساني الأخري ولم تسلم عبر تاريخها من محاولات استثمار و تسخير لخدمة أغراض و سيساسات و الترويج لشعارات و أفكار , لكن قصتها مع رأس المال مختلفة تماما.


بالنسبة لسؤالك "و ما بال ا الفنون جميعها , هل كانت في التاريخ خالصة من أي غرض عملي و نفعي .
هل انفصلت عن التجارة و صناعة التسلية و رأس مالها , هل تنزهت عن الاستغلال و الاحتكار و غيرهما "
* دعنا نتفق أن أي تشكيل اجتماعي هو فضاء تتلاقي و تتفاعل فيه القوي و التيارات وتدخل في علاقات جدلية ومعقدة و دعنا نتفق أيضا أنه دائما ما يبرز عامل تكون له الغلبة ونوعا من السطوة علي بقية العوامل ليس بالضرورة عن طريق اخضاع العوامل الأخري أو تحييدها و لكن عن طريق عملية هي أقرب ما تكون الي ضبط الايقاع العام وتنظيم التفاعل. هذا العامل المسيطر قد يكون هو الدين كما الحال في أورووبا القروسطية أو السياسة كما هو الحال في دولة المدينة اليونانية و الأمبراطورية الرومانية , أو رأس المال(رأس المال هنا مقولة تخص التنظيمات الأجتماعية الرأسمالية دون غيرها أما التنظيمات الأجتماعية السابقة فكات يوجد بها مال و نقود و ليس رأس مال) كما هو الحال في معظم دول العالم بما فيها مصر المعاصرة.و بالرغم من الأختلاف الكبير بين هذه العوامل الا أنه يوجد اختلاف في الطبيعة بين العاملين الأولين و العامل الثالث . هذا الأختلاف في رأي هو مايجعل من عملية السيطرة اتي يمارسها العاملييت الأوليين مختلفة جذرياعن السيطرة التي يمارسها العامل الثالث. فالدين و السياسة يتاشبهان في كونهما من طبيعة نوعية أو رمزية و في كونهما يمارسان تأثيرهما عن طريق شفرات رمزية وبنيات معني وهما في ذلك لايختلفان عن سائر القوي و العوامل الأخري التي تمارس عملها و تأثيرها في الفضاء الأجتماغي. ما تأثير ذلك علي عملية الضبط و السيطرة التي يمارسها هذان العاملان؟ تأثير ذلك أن كون هذين العاملين يمارسان تأثيرهما عن طريق شفرات و بنيات مماثلةة في طبيعتها لسائر الشفرات الأخري يحد من عملية السيطرة التي يمارسها هذان العاملان ويحول دون أن تتحول عملية السيطرة والضبط الي عمليية دمج كاملة أو الي تغيير جوهري و هيكلي في بنية المجالات المسيطر عليها. بمعني أخر يمكن ااقول أن هذه العوامل تمارس سيطرتها من الخارج وعن بعد كما أن عملية السيطرة هذه تتم في الغالب بشل متقطع و انتقائي و نادرا ما تأخذ شكل دائم أو مؤسسي. تتم السيطرة أيضا عن طريق استغلال و امتصاص فائض القيمة وليس عن طريق تدخل سافر و مباشر في عملية الأنتاج و الياته . كل هذا يتيح للمجالات المسيطر عليها قدرا معقولا من الأستقلال كما يتيح لها الأحتفاظ ببنيتها الأساسية و أساليب عملها و أختياراتها المبدئية.

الأمر مع رأس المال مختلف تماما . فرأس المال هن طبيعة كمية بحتة , طبيعة غير مبالية عندما يتعلق الأمر بالقيم الرمزية أو المعنوية. لذلك يمكن الحديث عن عدمية رأس المال ليس بمعني أن رأس المال معادي بطيبعته للقيم الرمزية و المعنوية بل العكس بمعني أنه محايد تماما تجاهها وأنه مهيء تماما لامتصاص أي نسق قيمي أو نشاط رمزي و اعادة انتاجه بعد فرزه و تهذيبه واعادة انتاج نفسه من خلاله. عملية الأمتصاص و الفرز و أعادة الأنتاج هذه تستتبع بالضرورة -علي الأقل ف الأنشطة التي تم ادماجها تماما في بنية رأس المال- تغييرا هيكليا و أساسيا ف اليات عمل و قيم هذا النشاط لأن تدخل رأس المال في مثل هذه الحالات بتم بشكل محايث و ليس من خارج أو عن بعد , و هو يتم عن طريق التدخل المباشر في عملية الأنتاج و تحويلها بطريقة أو بأخري و مهما تكن طبيعة هذا النشاط ألي نشاط محكوم تماما بأليات العقل الأداتي و الحسابات الصارمة المكسب و الخسارة(و هو ما يمرر في كرة القدم الحديثة تحت شعارات الجدية و الألتزام الخططي و الأنضباط التكتيكي..الخ) و هو أيضا ما تجلي في الأعلان الشهير في أعقاب كأس العالم الماضية عن موت الكرة "الرومانسية" و بداية عهد الكرة الواقعية(أي الأداتية).
هذا هو فيما أعتقد التغيير الجذري في طبيعة و أهداف و طرق أشتغال كرة القدم من جراء ادماجها و تحويلها الي بنية رأسمالية مكتملة الأركان(أي الي سلعة)و تحويل مباراة الكرة من فضاء للأبداع الخلاق و التجريب الحر والمغامر الي نشاط أداتي محكوم (كأي مشروع رأسمالي)بحسابات صارمة للربح و الخسارة. . ودرءا لشبهة التبسيط المخل واللجوء الي المفاهيم الحدية أضيف أن حسابات المكسب و الخسارة لم تكن يوما غريبة عن كرة القدم , فهي نشاط تنافسي بطبيعته و لكن الأمر يتعلق هنا بتحول الي نشاط أداتي بحت و اعلاء قيم المكسب و الخسارة علي ما عداها من قيم الجمال و الأبداع و المغامرة(وهي المكونات الأساسية لأي نشاط مبدع بحق و هو ما يفرق النشاط الأبداعي عن الأنشطة الأداتية)وتسخير الأخيرة في خدمة الأولي.


هناك تغيير أخر ينتج عن طبيعة رأس المال المحايدة فيما بتعلق بالقيم و المعاني . فهذا الحياد تنتقل عدواه للنشاط الذي تم ادماجه(كرة القدم في هذه الحالة) فيتحول هو الأخر و تتحول جميع مكوناته الي مايشبه العناصر فائقة التوصيل بمكن شحنها و تفريغها و اعادة شحنها بالقيم و الشفرات الرائجة اجتماعيا و التي تزيد من جاذبية الكرة كسلعة و ربما تعوض جانبا مما فقدته نتيجة ما أصابها من جمود و عقم , هذا بشرط طبعا ألا تتعارض (بل بلأحري تأسس و ترسخ) هذه القيم مع التوجهات الأساسية لرأس المال و التي يمكن تلخيصها في اعلاء منطق السوق و المكسب و الخسارة و التوجهات الأستهلاكية.

من هنا كان اعتراضي علي وصفك كرة القدم ب"نشاط لا يدعي الجدية و لا ينشد النفع و المصلحة بمعانيهم الجافة" و كذا كون روحها هي "روح اللعب التي تجعل من سعادة الإنسان غاية صافية و واضحة غاية الوضوح هي أساس المقاومة " الجدية" ضد استخدام الإنسان أو جعله ثانيا بعد أي غاية أخرى " . كذا اعتراضي علي قولك أن فرحة الأنتصار"الكروي" هي فرحة بلا حدود , ففي رأي أن هذا النوع من الفرحة هو ما يجعلنا نعمي أو نغض النظر عن التحولات المؤسفة التي شهدتها كرة القدم من جراء ادماجها في عملية الرأسمالية , أو (وهو الأسوأ) ادراك هذه التحولات علي انها تطورات "طبيعية" وتغيرات حتمية توجبها طبيعة العصر و منطق التاريخ.

أما فيما يتعلق بقيمة السعادة كغاية انسانية عليا و تأثير ذلك علي النشاط الأنساني الخلاق , فأنا أري أن التأثير السلبي يكمن ليس في خطر الأنزلاق الي تعريفات شاملة و حدود جامعة , فحتي في حالة تبني مفاهيم و تعريفات مختلفة و حتي متناقضة للسعادة يظل التأثير السلبي قائما . و سبب ذلك فيما أري أن الأبداع الحق والفتوحات المعرفية العظيمة هي مغامرات حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معني , مغامرات دافعها الأساسي و ربما الوحيد هو الأكتشلف و التجريب و أيضا ضيق بالحدود و رغبة في تجاوزها واستكشاف ما وراءها و دون أدني اهتمام او انشغال بما قد تسفر عنه هذه المغامرة , بل و دون النظر أيضا الي كون الأنسان يحقق سعادته أم لا بممارسته لهذه المغامرة وتتبعها الي حدودها القصوي . سؤال السعادة هو سؤال يطرح داخل حدود الذات , أما الأبداع فهو مسائلة لهذه الحدود بالذات كخطوة أولي نحو تجاوزها و هنا بالضبط تكمن خطورته وعظمته كفعل تجاوز و انتهاك.
أخيرا أتفق معك أن الأنسان ينتج و يعيد انتاج قيمه و أهدافه من خلال عملية جدلية مستمرة , ولكني لا أتفق معك أن ما يقوم بعملية الأنتاج هذه هو الأنسان الفرد , فهي فيما أعتقد عملية بين-ذاتية في كل لحظة من لحظاتها و ما الأنسان "الفرد" غير نقطة افتراضية و مجردة منتزعة من سياقها العيني البين-ذاتي.

Anonymous said...

هناكوجه نظر سوسيولوجية فى ذلك الموضوع وهو حاجة المصريين الى اسقاط مشاعرهم وهموم الحياتية على شى~ْ يسعدهم ويمنيهم بالخير والتفائل وهذا ما كان
http://sociology4life.blogspot.com/