03 October 2005

العقل " زينة " أيضا



قبل بداية رمضان , تحدث انتفاضة مفاجئة و قصيرة لكل طوائف الشعب , الكل نشط و مشغول للغاية و في عجلة من أمره .
صبيان شارعنا منهمكون في اعداد زينة و أضواء الشارع .
الكبار مشغولون باختيار أنواع مناسبة من الياميش , و بتحديد كميات مناسبة من المواد الغذائية المفترض تخزينها استعدادا لشهر الصوم , و الذي يأكل المصريون فيه - وفق جريدة " المصري اليوم" الأحد 2-10 - ثلاثة أضعاف وجباتهم في الأيام العادية !
في هذه الأيام أيضا يزيد استهلاك المسلمين من فتاوي الصيام " و الذي منه " , و تنشط الدعاية للشركات و مرشحي مجلش الشعب عن طريق الامساكيات و المطويات!
في هذه الأيام أيضا نحن مضطرون للاستماع الي جدل مكرورعن أزمة هلال رمضان المستعصية !
فالطلب يزداد في الصحف و الاذاعات و التليفزيونات علي الدعاة و المفتين لكي يخوضوا في جدل لا ينتهي من أجل الترجيح بين الرأي الذي يري وجوب تحري " الرؤية الشرعية " بالعين و الرأي الذي يجيز تبني الحسابات الفلكية !
كما أن الأمة العربية الواحدة ذات المصيبة الخالدة , مضافا اليها الجيوب الاسلامية و الأقليات الاسلامية في العالم , يبدأون أيضا في ثرثرة بلا جدوي حول مشروع مستقبلي لتوحيد الرؤية لكل مسلمي العالم !
هذه الثرثرة لا تختلف عن تعليق الزينات و استهلاك الياميش , فقد أصبحت هي أيضا فلكلورا رمضانيا
هل نطمع أن يتوقف يوما المسلمون عن ثرثرة لا معني لها حول " الرؤية الشرعية " , و نري عالما يجد في نفسه الشجاعة و المنطق البسيط لكي يقول صدقت يا رسول الله حين قلت " يومها " : " نحن أمة أمية لا نكتب و لا نحسب , الشهر هكذا أو هكذا - و أشار بأصابعه يعني تسعة و عشرين أو ثلاثين " , و لكننا اليوم لسنا أميون , فنحن نكتب و نحسب و أصبحنا أمة مترامية الأطراف و نحتاج للنظام - علي الأقل في تحديد التقويم و الله المستعان علي الباقي !
هل نجد مثلا لجنة علماء تابعة لجامعة الدول العربية أو دول المؤتمر الاسلامي تقرر ان نعتمد مكة مثلا مركزا لرؤية الهلال و ربما حتي تستطلع مجموعة من الناس الهلال بالعين المجردة كشكل احتفالي و تخليد لتقليد تاريخي ....و تتبع كل الدول هذه الرؤية
لا أظن أن التاريخ الهجري سوف يضار من فارق اليوم بالزيادة أو النقصان اذا ما اعتمدنا هذه الوسيلة أو تلك
و لكن ما يضير معنويا فعلا , هذه المهزلة التي تحدث عندما تري نصف قبيلة في رفح المصرية بدأت في الصيام أو احتفلت بالعيد بينما نصف القبيلة الأخري في رفح الفلسطينية لا تزال في شعبان أو في آخر أيام رمضان.
و لكن هذا المظهر الهزلي لا يهم كثيرا أصحاب الفخامة الرؤساء و الملوك و الأمراء طالما أن قرارا مصيريا مثل التقويم الهجري يجري وفق الارادة الوطنية المستقلة و لا يتأثر بأي مؤثر أجنبي حتي و لو كان من الجيران الأشقاء .
ماذا يضير في عصر العولمة أن يكون التقويم الهجري في البحرين غيره في مصر غيره في المغرب , طالما السيادة الوطنية بخير و عافية !
لا أطمع هنا في أكثر من الفضفضة
فانا لا أتصور أن ننجح في التحرر من قضايا الفقه التي عفا عليها الزمن بغير اصلاح ديني جذري و ليس مجرد تلميع للخطاب
و لا أتصور أن ننجح في اقرار وفاق علي قضية ثانوية بينما المسلمون يعيشون في ظل أنظمة ليست علي وفاق مع شعوبها , و معارضوها ليسوا علي وفاق - حتي علي الحد الأدني - فيما يتعلق بالتحرك و المطالبة و التنسيق .
تحية خاصة لرفعت السعيد و حزب الوفد *.
و امتنان كبير لصبيان شارعنا لمجهودهم الايجابي في اضاءة ليالي رمضان
و اعتذار عن ذكرهم وسط هذه الثلة من المهازل

و كل عام و أنتم بخير

------------------------------------------------------------------------
* رفعت السعيد يرفض انضمام الاخوان لتحالف المعارضة في الانتخابات البرلمانية القادمة
و الوفد يرفض انضمام الغد ...و لا أراكم الله مكروها في تحالف لديكم

2 comments:

ألِف said...

"لا أظن أن التاريخ الهجري سوف يضار من فارق اليوم بالزيادة أو النقصان اذا ما اعتمدنا هذه الوسيلة أو تلك"
بالطبع سوف يضار!
التقويم الهجري هو تقويم قمري دقيق و ليس مجرد مواسم للحج و الصيام، و هو كغيره من الدورات الكونية يتبع نظاما دقيقا يمكن حسابه لمئات السنوات القادمة و لا يجوز التلاعب فيه بخصم يوم من رمضان بحجة إضافته فيما بعد بمرسوم ملكي إلى شهر آخر!

كذلك فإن حقيقة أن القمر يشرق على المواقع المختلفة من الأرض في أوقات مختلفة قد يتبعه ابتداء رمضان في أيام مختلفة في العالم الإسلامي و أيا كان الحل لهذه الظاهرة فيجب أن لا يكون بالتحايل على الواقع العلمي، و لكن بالمرونة الفقهية.

عمرو عزت said...

أتفق معك في ما قلت
بشان ماهية التقويم
و لكني أقلل من أهمية التقويم الهجري بناء علي أنه لم يعد أحد يعتمد عليه تقريبا
فدقته هذه لا محل لها من الحياة
كما أنه كان يجري قديما تحديده بلا دقة و لم تضطرب الحياة
فلا أعتقد أن ضررا عظيما يحدث لو أن المسلين اتفقوا علي تحديد بدايتي رمضان و ذي الحجة من خلال طقس شعائري و هو رؤيته بالعين المجردة في بلد واحد و توحيده علي الكل
أو سواء اتفقوا علي تحديده بالحساب ثم سعوا لتوحيد التقويم بالنسبة لبعض الأقطار و هذا يحدث فعلا بالنسبة لموسم الحج
فقط أري ان هزلية تفرق المسلمين في أداء هذه الشعائر أكثر ضررا من كل ما سواه