تقول النكتة السخيفة إن العفريت خرج من صندوق علاء الدين، وقال لاثنين كان أحدهما سخيفا: تطلبوا إيه؟
قال الأول: أنا عاوز أشوف المرحومة أمي.
وقال السخيف: أنا مش عاوزه يشوف المرحومة أمه.
النكتة سخيفة، ولكنها معبرة جدا عن سخافة «الرغبة السلطوية». رغبة السخيف لها عدة خصائص:
1- أنها رغبة غير خاصة بصاحبها، ولكنها تتعلق بغيره.
2- أنها تريد تحويل «غيره» إلى «خاضع» للرغبة السلطوية.
3- أنها لو فشلت في جعل «الغير» موضوعا خاضعا، فإن معركة «وجود» لابد أن تنفجر بين رغبة الآخر الحر المقاوم والرغبة السلطوية للسخيف.
معركة الوجود بين الرغبتين أو الاستحالة المنطقية لتحقق الرغبتين معا هي مفارقة النكتة، التي تقتضي الدهشة والضحك، ولكن في الواقع تلك الاستحالة المنطقية هي التي تسمى الاستقطاب، ومعركة الوجود بينهما هي التي تتجه الآن إلى إحدى أحرج مراحلها.
الرغبة السلطوية الإسلامية تنطبق عليها كل خصائص السخافة:
1- هي رغبة غير خاصة بأصحابها، ولكنها تتعلق بغيرهم غير المتفقين معهم. «المشروع الإسلامي» هو عبارة عن تجميع كبير لرغبات خاصة بمنع آخرين من ممارسة حرياتهم، وأن يعيشوا حياتهم بطرق لا تعجب «السلطوي الإسلامي».
2- هي رغبة تريد جعل الغير المختلف موضوعا «خاضعا» باسم «مجتمع إسلامي» و«دولة إسلامية» و«هوية الأغلبية».
3- لو أن الآخر رفض الخضوع، وتمسك بحريته، وأصبح مقاوما لها راغبا في حريته المضادة لهذه الرغبة، فإن «معركة وجود» تحدث. يتجاهل السلطوي الإسلامي أن رغبته السلطوية - لا رغبته في أن يحيا وفق عقيدته وأفكاره- هي سبب معركة الوجود، ويقول إنه يعرف من زمان أنها معركة عقيدة بينه وبين أعداء الإسلام.
طيب لما إنت عارف إنها معركة عقيدة، ولن يرضى عنك أي أحد آخر إلا صاحب نفس عقيدتك وفكرتك. ماذا تتوقع منهم؟ طبعا لا تتوقع إلا أن يكونوا لك خاضعين غير مزعجين.
الرغبات السلطوية ليست إسلامية فقط بالتأكيد، ولكنها تلك الرغبة الاجتماعية الموجودة منذ الأزل في السيطرة على حرية الآخرين باسم «المجموع». وفي مواجهتها رغبة التحرر التي تفكر في «الاجتماع» الذي يكون أساسه نفي الرغبات السلطوية، والتفكير في «ضرورات» الاجتماع معا دونها.
وبين الرغبة الاجتماعية في «التسلط الجماعي» ورغبة التحرر تدور معركة طوال التاريخ الإنساني، هذه المعركة تدور على أرض «القانون» و«الدستور» والنظم السياسية، ومنها «الديمقراطية»، ولذلك فهي نفسها ليست انتصارا للتحرر، ولا هي أيضا أدوات للتسلط، ولكنها يمكن في كل موقف أن تكون عونا لهذا أو لذلك، ويمكن أن تكون تقدما في هذا الاتجاه أو ذلك.
السخفاء الجدد عبدة الصناديق يظنون أنه بمجرد الاحتكام إلى عفريت الصندوق ينتهي الإشكال، بينما يتجاهلون ويتعامون عن رغباتهم السلطوية السخيفة، التي تبدأ المعركة. يطلب واحد «حرية» فيطلب السخيف تقييد هذه الحرية، لأنها تخالف ما يراه ثوابت دينه.
يطلب واحد أن يعيش وفق أفكاره، فيقول السخيف إن أفكاره تأمره بألا يدع الآخرين يعيشون وفق أفكارهم.
يهم أحدهم بطلب شيء، فيسكته السخيف، ويقول له: سأطلب أنا لي ولك! أنا عاوز أديلك حقك وزيادة وأكرّمك علشان أنا عارف الأصلح لك. اطلب لنا إحنا الاثنين «شريعتي» و«فقهي». لأن دا الأصلح للجميع، ولأني أنا الأقوى والأكثر وأنا اللي فزت أصلا بالصندوق دا ومعايا الشرعية!
السخافة السلطوية تتضمن أيضا إسكات صوت الغير. هو مجرد موضوع خاضع، كيف يمكن أن يتكلم ويطلب. هو مخدوع ومهزوم نفسيا ومتآمر، وعميل للخارج، وعدو للأمة، أو كائن له دور محدد في الكتالوج، وليس له أن يتكلم ويطلب، ولذلك فإن السلطوي الإسلامي يريد من المسلم غير السلطوي وغير المسلم، ومن سائر المختلفين معه أن يخرسوا، ويطلب هو لنفسه ولهم ما يحب.
السلطوي الإسلامي السخيف لا يحب أن يرى أمام رغبته السلطوية السخيفة رغبة أخرى في التحرر، وفي المساواة تطالبه بإسقاط رغبته لنتجنب «معركة الوجود» بين الرغبات. معركة الوجود بين الرغبات وليس بين الناس. لا يحب أن يرى الحل البسيط أنه بإسقاط الرغبات السلطوية يبدأ الوجود معا على أساس من الندية، كل الأطراف أحرار ومتساوون، أو هكذا نريد.
ولكن السلطوي السخيف يحب أن يرى المعركة باعتبارها «معركة وجود» بينه وبين أصحاب رغبة سلطوية أخرى. «دول عاوزين يرجعوا الإسلاميين السجون». يفضل السلطوي الإسلامي السخيف أن يداري سخافته بإلقاء المزيد من الضوء على السخفاء من أعدائه، الذين يريدون إعادته إلى السجون، وتدور بينهم فعلا معركة وجود، أحدهما يجب أن يكون في السجن أو خارج البلد، أو مقتولا.
يوم 30 يونيو إحدى محطات «معركة وجود» بين الرغبة السلطوية وسخافتها وبين أحرار مقاومين وعدوا أنهم سيحاولون دائما أن يكونوا مسمارا في نعش السلطويين، ولكن أيضا ستكون من جانب آخر «معركة وجود» بين سلطويين سخفاء وبعضهم البعض. كما كانت جولات نفس المعركة سابقا ضد سخافة مبارك، وكان بين الصفوف أحرار مقاومون، ولكن كان أيضا سخفاء من السلطويين الإسلاميين.
معركة هذا اليوم التي بدأت مبكرا، ولن تنتهي سريعا، يمكن لها أن تبدأ في الانتهاء عندما يصبح المقاومون الراغبون في حريتهم هم كتلة حرجة، وليسوا أقلية قلقة وسط من لا يرون الخلاص إلا في سخافات سلطوية.
نشر في المصري اليوم بتاريخ 28 يونيو 2013
نشر في المصري اليوم بتاريخ 28 يونيو 2013