12 June 2013

الانحياز رغم الابتزاز

هناك شيء ما  في عنوان المقال  غير مريح بسبب تكرار حرف «الزاي»، كما أن حرف «الباء» قبله يستدعي إلى الذاكرة صورة فنان إخواني شاب يحب فنون القتال  ورقصة هارلم شيك، ولكن هذه الإيحاءات التي تفلت من العنوان رغما عني  ليست ذات صلة مباشرة بالهدف من المقال.
الهدف المباشر للمقال هو دعمك عزيزي المنحاز إلى «موقف» المقاومين لدولة السلطوية الإسلامية التي تسير عكس اتجاه الثورة- لا تنس أن تضع خطًا تحت كلمة موقف - ومحاولة تخفيف تأثير الدعاية التي تحاول ابتزازك، ولكني من أجل ذلك الهدف المباشر سأبدأ بداية غير مباشرة بعض الشيء حتى أصل إلى هدفي.
في 2005 أمام إحدى لجان الانتخابات الرئاسية كنت أراقب الانتخابات ضمن ائتلاف شعبي لمنظمات مجتمع مدني ساهم فيه متطوعون من الشباب، وبعد أن قارب وقت التصويت على الانتهاء دخلت وأدليت بصوتي وخرجت، سألني صديق: «أبطلت صوتك؟». ولكني أجبت أني صوّت لأيمن نور، نظر لي بتساؤل واستنكار، فابتسمت وقلت له: هيا بنا نلعب.
في الواقع كان كلانا يلعب لعبًا جديًا. كنا معا في موقف واحد يحاول أن يختبر أو يفضح الديكور الديمقراطي عن طريقة مراقبة الانتخابات التي لا تعني لنا في الحقيقة شيئا، سوى أن النظام السلطوي يتظاهر أنه يتراجع خطوات ويفسح مساحة لحرية ولكن علينا نحن أن «نمثل« أن هناك مساحة حرية ونفتح معركة معه في هذه المساحة ونفضح سلطويته. 
ولكني بالإضافة لذلك، ورغم كل ما كان يقال وقتها عن أيمن نور من اتهامات أخلاقية وسياسية،  قررت أن أعطيه صوتي وأتجاوز عن كل ذلك، لأن من يتحرك ضد السلطة، ولو في معركة  ديكورية، هو عرضة لافتراءات أبواقها النافذة وابتزازها الوضيع الذي ربما كان مصحوبا بأذى وقمع مادي.
أبواق مبارك كانت دائما تركز على أسوأ معارضيها: السلطويين الإسلاميين أعداء الحرية، المستندين على علاقتهم بالخارج، المعارضة البائسة التي تتخبط في غياهب حب سلطويات غابرة أو تتورط في صفقات مع نظام مبارك من أجل بعض الفتات. وكنت أعتقد في صواب بعض ما يقال من أجل الابتزاز، ولأنه كذلك لم يكن يمنعني من الانحياز لموقف ضد هذه السلطة يعكر عليها حياتها.

ولذلك فإنني وضعت جانبا كل دعاية السلطة ضد خصومها، في كل الأوقات، ومنها وقت الانتخابات واعتبرت التصويت لأيمن نور«موقفا»  يهدد بانكشاف الديكور وأعطيته صوتي، وتضامنت معه بعدها وقت سجنه، لأنه في النهاية لا يسرني أن أعطي لهذه السلطة - التي لا أثق فيها  الفرصة أن تحاكم خصومها - فقط  بتهمة الفساد لأنه فساد يزعجها بينما تحتكر هي التأثير الجميل للفساد الذي يصب في مصلحتها.
لا كل مقاومي سلطة الإخوان الآن يعجبونني بالتأكيد، ولكن ابتزاز السلطويين الإسلاميين لمقاوميهم ومعارضيهم  بأن بينهم «فلول»، هو نفسه ابتزاز«الفلول» لمقاومي مبارك بأن بينهم«سلطويين إسلاميين» يهتفون كذبا «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية». وهو نفسه ابتزاز نظام مبارك للناس بأن معارضيه بائسون.
دائما ما يرى السلطويون أمثالهم في الفريق المقابل، ودائما ما يبتزون خصومهم بأسوأ من يقف في نفس  «موقفهم». أبواق سلطة مبارك حاولت أن توحي بأن هذه الثورة هي «انقلاب إخواني»، وأبواق سلطة  مرسي تحاول أن تصوّر للناس أن في مواجهتهم احتمالات «انقلاب فلولي». السلطوية ملة واحدة.
وهذه الملة الواحدة عندما تصبح على كرسي السلطة تقسم العالم بين المؤمنين والكافرين بها. إما مساند لهذه السلطة أو مقوض لها. إما مساند لهذه الخطوة السلطوية أو مقاوم لها.ولكن قد يتنوع المقاومون في البدائل التي يقترحونها  لهذه الخطوة.
مثلا: هناك مؤيدون لاحتلال الإخوان وحلفائهم حظيرة وزارة الثقافة، وهناك في مواجهتهم «موقف« مقاوم لذلك. ولكن لا أشك أن داخل هذا الموقف تنوع الرغبات بين تشبث بالوضع القديم للحظيرة بما يشمله من المناصب والكراسي، ورغبات تريد أن ترعى الدولة تيارات ثقافية بعينها لتكون هي ثقافة الشعب، ورغبات من يتخوفون من سيطرة سلطوية «الإخوان» على كل أدوات الدولة واستغلالها لصالح التيارات الثقافية المساندة لها، ورغبات من يقاتلون ببساطة لأجل مساحات يمارسون فيها الفنون التي سيعاديها الإخوان وحلفائهم، بالإضافة إلى رغبات من لا يريدون الحفاظ على الحظيرة مطلقا ولايؤيدون  تدخل الدولة في عالم الأفكار أصلا ولا يريدون وجود وزارة ثقافة من الأساس ويفكرون في شكل من أشكال تفكيك إدارة الدولة لأنشطة الثقافة والإعلام والتعبير وتحويلها لمؤسسات شعبية تدار بأكثر شكل لا مركزي وتعددي. وإلى الفريق الأخير أنتمي.
ولا أشك أبدا أن انحيازي لمقاومي سلطة» الإخوان «ووزيرهم يمكن أن يؤثر فيه وجود بعض السلطويين أو الفاسدين في نفس «الموقف».
 بل على العكس تركيزهم على ذلك من أجل الابتزاز أكثر ما يؤكد لي أن موقفي أكثر أخلاقية«الموقف السلطوي» الفاسد وغير الديمقراطي الذي يريد الاستيلاء على نفس الأداة السلطوية بدون تغيير هو الذي سمح لسلطويين مثله وفاسدين مثله أن يقفوا في موقف يدعي الانحياز للحرية وخلط أوراقهم مع أوراق آخرين، وهو ما يعيد الكرة للنظام السلطوي ليؤكد أنه أفضل من بعض خصومه السيئين.
 وقف تغول الممارسات السلطوية هو نقطة البدء، وقف صراع السلطويين على نفس أدوات الدولة هو البداية لتغيير حقيقي، وعندما تبدأ معركة تحرير هذه الأدوات والمؤسسات وتغيير هياكلها في اتجاه أكثر ديمقراطية وعدالة وأقل مركزية وسلطوية (لا تنسب الثقافة حصرا  لهذه  التيارات أو ضدها)  ساعتها سيتميز من هم في «موقف» التغيير ومن هم جميعا في «موقف« التشبث بالوضع القائم وسلطويته وفساده.
أما «موقف» السلطة الحالي فهو تماما كموقف السلطة  السابق: تواجه فساد من لا يساندونها وتتغاضى عن فساد من يدعمونها، فضلا عن الطرمخة والاستعباط  بخصوص فساد أبناءها.خارج اللعبة تماما يقع موقف «الوسطيين» أو«المتطهرين»، الذين يرفضون أن يقفوا موقفا مقاوما لأنه ليس مليئا بالملائكة الأطهار، لأن تقييمهم لـ«من» يقف بجانبهم يغشى أبصارهم عن إبصار «ما«  هو «الموقف» الذي يقفون فيه أو يجب أن يقفوا فيه. هم في النهاية متخاذلون عن «موقف حق» بسبب بعض أهله. بينما قيل في الأثر: اعرف الحق)الموقف) تعرف أهله. واعرف الرجال بالحق (الموقف) ولا تعرف الحق بالرجال.

نلتقي في "موقف" التمرد يوم 30 يونيو. هيا بنا نلعب.

No comments: