08 June 2013

مقال جاد عن الحوار الوطني

يصل الرئيس إلى المطار ومعه شيخ بجبة وقفطان وعمامة مميزة وقس بزيه المميز. في استقباله مسؤول ما من تلك الدولة التي يتنازعون معها على مصلحة ما.

المسؤول: أهلا أهلا يا ريّس.( ينظر للشيخ والقس)  هل لديكما أي مناسبات دينية هنا؟
يبتسم الرئيس: لا يا سيدي. دول جايين معايا «قوة ناعمة». (ينظر إليهما بحب وهو يشبك كفيه تحت كرشه)
يبتسم المسؤول: طبعا، أكيد فضيلة الشيخ هايفتتح المعهد الديني علشان ينشر الإسلام الوسطي وتعملوا جمعيات إسلامية تقدم مساعدات خيرية لفقرائنا وبالمرة تؤثرون على المسلمين عندنا إنهم يكونوا سندا لمصالح دولتكم عندنا مش كدا؟ هاها.
يبتسم الرئيس: أكيد يا سيادة المسؤول. والحمد لله إن عندنا المؤسسة الإسلامية العريقة دي، وإنها مؤسسة عالمية بتروح تمارس نشر الإسلام عادي وفي نفس الوقت بتدعم مصالح دولتنا. هاها. إنت عارف بقى. إن الله أعزنا بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
يبتسم الشيخ: طبعا الدعوة للإسلام لا تتناقض مع ممارستنا للقوة الناعمة من أجل مصالح دولتنا على أراضي الدول الأخرى سواء إسلامية أو نصرانية. دعوة الإسلام عالمية ويحب أن تدخل كل بيت لتكون كلمة الله هي العليا، وإحنا طبعا بلد بنرعى الدعوة الإسلامية ابتغاء .. .
يقاطعه الرئيس: علشان دورها في أفريقيا يعلو. هاهاها
يبتسم المسؤول: ظريف جدا يا فضيلة الرئيس وسيادة الشيخ، لكن إحنا لو بعتنا جمعيات مسيحية خيرية أو دعوية عندكم يبقى تبشير واستغلال لفقر الناس ويتقبض عليهم. مش كدا! هاهاها
يرد الشيخ بسماحة: طبعا ما فيش معاملة بالمثل، لأن إحنا أهل الدين الحق ومن حقنا نعلّم عليكم في عقر داركم بفضل الله لكن إنتم طبعا لأ.
يغمز الرئيس للشيخ: مش قوي كدا فضيلتك، لازم ناخدهم بالتدريج، والتمكين مراحل (ويتلفت إلى المسؤول ويكمل) لكن يا سمارة يا أبو كف رقيق وصغير إنت أفريقي جميل تلعب في الغابات إنما نحن دولة كبيرة وعندنا مصالح وعاوزين نعيش زي البيض بتوع أوروبا وأمريكا. لكن إنت جميل زي ما إنت كدا متمسك بهويتك وبساطتك.
يبتسم المسؤول: طبعا يا سيادة الأخ. لكن موضوع الشيخ والمعهد الديني أعتقد وقته سيطول قبل تحويل الكثيرين إلى الإسلام. لأن المسيحية هي ديانة الغالبية هنا. وأظن لذلك حضر قداسة الأب. هاها (ينظر للأب)
يبتسم الأب: طبعا عزيزي المسيحي الأفريقي الجميل. أتيت هنا للتأثير على كنيستكم من أجل توصيل رسائل إلى دولتكم لتتخذ قرارات تراعي مصالح دولتنا. لكن كله بالمحبة إن شاء الله. والخيار العسكري مستبعد لأننا ما عندناش طائرات قادرة على دككم، ولأنكم متخصصون في حرب العصابات يا حبيب قلبي. ولذلك فضلنا خيار المحبة.
يبتسم المسؤول الأسمر الجميل: طبعا يا أبونا. ولكن يمكن أن تطبقوا اقتراح السياسي العظيم عندكم بتسريب معلومات لنا بأن لديكم طائرات قادرة على دكنا. هاها. كانت فكرة عظيمة والأولاد والمدام أعجبوا بها جدا. هاها.
يبتسم الرئيس: لا لا لا. نحن الآن في زيارة تستخدم أسلوب القوة الناعمة فقط. لكن مثل هذه الاقتراحات الوسخة بتتعمل في السر. لذلك أنشأت لجنة تسمى المجلس الوطني للمصلحة المستعصية والدناءة السرية. وأولادي في المخابرات دلوقتي بيظبطوا القبائل والحركات الانفصالية. إنت عارف طبعا يا عزيزي الأفريقي الجميل إن كله بيتظبط عندكم. هاها.
يبتسم المسؤول: طبعا عزيزي. أولادكم في المخابرات في الحفظ والصون. وأول ما سمعنا هذه الاقتراحات على الهواء مباشرة أرسلنا أولادنا في مخابراتنا في استقبالهم.
الرئيس: بس بلاش خطف وحياة أبوك يا شيخ! شعبي بيقفش قوي من موضوع خطف الجنود والضباط. ويسألونني: أين الخاطفون؟ .. وأنا أوشك أن أفعلها.
يبتسم المسؤول: لا تقلق عزيزي الرئيس. خطتكم بخصوص القوة الناعمة لا يمكن أن ننتبه لها وأنت تحاول اختراق مجتمعنا بقوة الإسلام والمسيحية والمخابرات وتأليب القبائل والانفصاليين ونجوم الكرة والفن. كل هذه قوة ناعمة جدا تنزلق وتزفلط بين أيدينا ولا نستطيع أن نقفشها (يمد يده ويمسك بأصابعه قفطان الشيخ وعباءة القس وبذلة الرئيس).
يزمجر الرئيس غاضبا ويرفع إصبعه: لا. أصابع لأ. لو شفت أي صباع بيلعب هاقطعه !
يبتسم المسؤول: لا تقلق يا سيادة الرئيس. وحق الكاميرا اللي بتصورنا دي كل ما سيحدث هنا سنقسم جميعا بألا نذكر عنه شيئا إلا بشكل مقنن يمكن أن تقوم به الأخت باكي. هاها. قفشات أفلام !  ولكن هل صحيح يا سيادة الرئيس أن قضاءكم حكم بالسجن على أعضاء منظمات أجنبية تقدم تدريبات سياسية وحقوقية بدون ترخيص وقلتم إن ذلك استعمار ناعم؟.
يبتسم الرئيس: نعم طبعا. هو اللي بنعمله في الناس هايطلع علينا ولا إيه؟ هاها. وبعدين إنتم هاتطلعوا لنا تراخيص عادي للمعهد الديني والجمعية الخيرية وهاتسيبونا نموّلهم من غير مشاكل، مش كدا؟ هاها.إوعى تقول لي استعمار ناعم وكلام من دا! هاها
يبتسم المسؤول: طبعا. سنعطيكم التراخيص وكأننا ولا واخدين بالنا إنها قوة ناعمة. وأنا عاملة نفسي ناعمة، وأنا عاملة نفسي ناعمة. شوف قلة أدبه. هاها. إن دولتكم العظيمة يا سيادة الرئيس ينطبق عليها قول القائل: الدولة تلهيك واللي فيها تجيبه فيك. هاها. أمثالكم الشعبية خطيرة..  اتفضلوا. اتفضلوا. دافعوا عن مصالحكم في بلادنا آمنين. هاها. وحفظكم الله لبلادكم ولبلادنا وسائر بلاد المغفلين.

يرفع الرئيس والشيخ أيديهم إلى السماء ويرسم القس علامة الصليب، ويتسع الكادر ليبدو في نفس اللحظة في الأحراش رجال مخابرات هذه الدولة وهم يرفعون أكفهم ويقولون جميعا: آمين.

نشر في المصري اليوم بتاريخ 8يونيو 2013