05 June 2013

مبروك الحظيرة

مازلت أذكر جيدًا سلسلة «المواجهة» التي كانت تصدرها وزارة الثقافة في التسعينيات لمواجهة التطرف والإرهاب، برعاية سيدة مصر الأولى سوزان مبارك.
تعرفت عليها - السلسلة طبعا وليس سوزان - عندما كنت أذهب إلى مكتبة «مبارك»، والعياذ بالله، ولأنني كنت أقضي الكثير من الوقت متأملا كل محتويات فرشة الجرائد التي تقع أمام كنيسة شارع الوحدة في إمبابة، التي حرقها مجهولون غيورون على الإسلام انتقاما من كنيسة أخرى قالوا إنه احتجزت أختهم عبير.
كنت وقتها فتى «مثقفا» أقرأ كل ما يقع تحت يدي، وأزور مكتبات وزارة الثقافة وأحضر ندواتها وأظن أني اشتركت في إحدى مسابقاتها في كتابة المقال وحصلت على المركز الرابع وكانت الجائزة «منبه». ولكن في الوقت نفسه تأملت كل محتويات فرشة الكتب أمام جامع «السنيّة» في إمبابة واشتريت منها الكثير وحضرت بعض الدروس.
ويبدو لي أنه في ذلك الوقت كان هناك جانبان: جانب فيه مبارك والسيدة حرمه ووزارة الثقافة ومكتباتها وكتب المواجهة التي تحارب التطرف والإرهاب، وفي الجانب الآخر كانت الأفكار السلفية التي كانوا يقصدونها عند الحديث عن التطرف والإرهاب، مع تلقيح كلام على الإخوان باعتبارهم ظلاميين ومتطرفين أيضا.
ساعتها وبشكل عفوي تماما اخترت التطرف والإرهاب. وأصبحت طالب علم سلفي مجتهدا.
ولا أذكر تحديدا إن كان كتاب رفعت السعيد عن حسن البنا قد تمت طباعته في نفس السلسلة وصدر عن وزارة الثقافة أم غيرها، ولكن هذا الكتاب الذي يحاول بكل السبل أن يثبت أن حسن البنا كان إرهابيا وحرامي غسيل كمان، كان سببا كبيرا في أنني بعد فترة من مراجعة الأفكار السلفية اقتربت أكثر من فكر الإخوان المسلمين حتى أني بادرت بعرض النشاط معهم في الجامعة بدون أي جهد منهم في محاولة تجنيدي مما جعلهم يشكون في كوني مخبرا، ولكن هذه قصة أخرى.
ولكن قصتنا هنا أن وزارة الثقافة كانت مثلها مثل الأزهر والإعلام والتعليم الحكومي، أدوات ثقافية وفكرية ودعائية في يد النظام يستعملها في معاركه مع خصومه ويحاول بها أن يخضع ويجند بها أنصارا أو ساكتين عن السلطوية ومبررين لها بخطر «الإسلام السياسي» الذي أصبح «العدو المشترك».
ورأى البعض ذلك حسنا ورأيته مقرفا. ورأيت أنه كان تعبيرا موفقا لهؤلاء الذين اصطفوا تأييدا وسكوتا وموالسة أنه فعلا قد تم احتواؤهم داخل «الحظيرة».
قبل عشر سنوات تقريبا أفلت تعبير «الحظيرة» من وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني في وصفه لما قام به من نجاح في جعل المثقفين جميعهم يعملون تحت مظلة وزارة الثقافة، أي تحت مظلة الدولة. ثم اضطر للدفاع عن التعبير الذي أصبح علامة مسجلة لفلسفة إدارة الدولة للنشاط الثقافي.
أقول قولي هذا بمناسبة أن إدارة الحظيرة انتقلت إلى السلطويين الإسلاميين، وبالطبع سيدعون الشعب للاحتشاد ضد «العدو المشترك» الجديد: الفاسدون الفلول أبناء الحظيرة السابقون.
سيتبعون سنن من خلفهم حذو القذة بالقذة، كما يقول الحديث. سيفرحون بالحظيرة وبسطوتها وسيحتل الأبناء الجدد للحظيرة محل الأبناء القدامى ليخدموا النظام الجديد.
وسيركز إعلام الحظيرة الجديدة على الفاسدين ممن يقاومون التغيير وسيغفل المقاومين الذين كانوا يقاومون الحظيرة القديمة والجديدة.
وبذلك تضيع قضية التغيير الجذري بخصوص وجود الحظائر نفسها، ويستمر الجدل حول من له الحق أن يسكنها: «الفلول» أم «الإخوان». ويستمر جدل «التطهير والأخونة» البائس الذي أصبح ستارا كثيفا للصراع على زبالة الحظائر. بدلا من هدمها جميعا والتفكير في مجتمع تخدم فيه الدولة الناس ولا تربيهم ولا تعلمهم دينهم ولا ثقافتهم.
حتى ذلك الحين فإني متفائل جدا بانتقال أبناء مستنقع التفكير الديني الراكد إلى الحظيرة، لأنه يبدو لي أن معظم الناس الذين يبحثون عن أفكار ملهمة لحياتهم لا يرتاحون لأبناء الحظائر ولا لنتاج هذه الحظائر.
وأن انبعاث هذه الأفكار من داخل الحظائر يعجل بتعفنها وطلوع رائحتها لتزكم الأنوف. وأن بعض الأفكار الملهمة تفقد كل شيء وهي منبعثة من حظيرة رسمية، وبعض الأفكار الراكدة البائسة تبدو بالغة الحيوية والنضارة وهي تهاجم أصحاب الحظيرة.
ولذلك فإنني هذه اللحظة ممتن ومتفائل ومن قلبي أتوجه بأحر التبريكات لوزير الثقافة الجديد علاء عبد العزيز وأنصاره من «المثقفين الإسلاميين» وأهنئهم: مبروك الحظيرة.

No comments: