27 January 2012

لماذا يجب أن "يسقط حكم العسكر" وليس مجرد "تسليم سلطة"



حكي لي صديق، ستعرف حالا لماذا لا يمكنني أن أقول اسمه، عن والده صاحب الرتبة الكبيرة سابقا في جهاز أمن الدولة المنحل، وكيف أنه كان قبل انطلاق الثورة دائم الانتقاد للمؤسسة العسكرية ومميزات العاملين بها بينما وزارة الداخلية هي التي تتحمل العبء الأكبر في «الحفاظ على البلد».

هناك طريقتان للحفاظ على البلد: الحفاظ على حرمة حياة وكرامة وحرية كل فرد فيها، ومن أجل ذلك تكون الحدود والمؤسسات والمنشآت ويكون المسؤولون الذين يعملون ثم يحاسبون، لكني أظن أن «الحفاظ على البلد» عندنا عادة ما يعبر عن طريقة ثانية: حماية الحدود والمنشآت وهياكل المؤسسات وهيبة القيادات وما يرونه المصلحة العامة للناس ولو تطلب ذلك التضحية بحياة أو كرامة أو حرية الكثير منهم، في النهاية، واضح أنهم العنصر الأكثر توافراً وتجدداً ومصر، تحديدا، ولادة!

أعتقد أن كل المؤسسات ذات الطبيعة العسكرية تميل تلقائيا للطريقة الثانية إن لم تكن تحت ضغط معايير قوة فوقها ترشدها وتقوّمها، ولذلك أعتقد أن الشرطة والجيش في مصر يشتركان في ميلهما في أغلب الأوقات للطريقة الثانية في «الحفاظ على البلد».

وقائع فض الاحتجاجات والاعتقال والتعذيب مع الشرطة قبل الثورة ومع الجيش بعدها تثبت ذلك. بالإضافة لأحوال الأفراد في قاع الهرم داخل المؤسستين وما يعانونه.

بعض التوتر المكتوم بين العاملين في المؤسستين قبل الثورة ليس إلا نزاعا على المميزات والصلاحيات التي يتلقاها كل منهم بناء على جهده في حماية البلد وفق نفس الطريقة والفلسفة وليس لاختلاف حقيقي.
قبل انطلاق الثورة كان يمكن لي أن ألتقط من هنا وهناك ومن أفواه ضباط جيش سخطهم من النفوذ المتصاعد لضباط الداخلية وامتيازات الداخلية التي بدأت في التصاعد في مقابلهم.

في الفترة الماضية كان الدور السياسي للجهاز الأمني في مصر هو الأهم فعلا في «الحفاظ على البلد» في الفترة الماضية بعد أن قامت السياسة الخارجية المصرية بركوع استراتيجي واستتب الأمر.

شعور ضباط الجيش في السنوات السابقة على الثورة بالقلق من التوريث وما يعلنوه حاليا من ذلك، كان مؤشرا على أن كثير من الخطوات الأخيرة لنظام مبارك التي تولاها المحروس ولده كانت ضدهم، ليس لأن العسكر قلقون ويريدون أن يحافظوا على البلد بالطريقة الأولى، لكن لأنهم قلقون عليها بالطريقة الثانية، على «الأمن القومي»، وأيضا لأن جمال مبارك كان يقود محاولة لتجاوز تسلط «حكم العسكر» من أجل منظومة حكم تسلطية يشيّد أركانها كومة من التكنوقراط ويموّلها كومة من الرأسماليين يقبلون مساحة الحرية الاقتصادية مع أكوام الفساد في ظل ديمقراطية شكلية ونظام أمني قمعي يتولى _ بدلا من العسكر_ الحفاظ على البلد بالطريقة الثانية.

من «حركة الجيش المباركة» في 1952التي أرست الدولة المصرية التسلطية التي يحميها الجيش ويقودها قائده الأعلى، إلى حركة «العبور إلى المستقبل» في بداية الألفية مع أبناء مبارك في حراسة أمن الدولة، كانت مسيرة خراب البلد تحت شعار «الحفاظ على البلد»،

تفاصيل فساد الحركة الأخيرة وتسلطها كان من الصعب ألا يمر عبر الإعلام في ظل ادعاءات عن ديمقراطية وحريات، أما الحركة الأولى، وفي قلبها المؤسسة العسكرية، كانت حتى وقت قريب خارج المحاسبة وفوق الانتقاد.

يعرف كل العاملين بالصحافة كيف كانت المؤسسة العسكرية قبل انطلاق الثورة التابو الأكبر الذي لا يمكن المساس به أو ذكر شيء عنه إلا بإذنه.وما زالت مؤسسات صحفية مدنسة بهذا التقليد.

كان يمكنك أن تستمع إلى حكايات وحكايات ممن خدموا في الجيش عن سلبيات «مصنع الرجال».

والآن يمكن أن تستمتع وتقرأ حكايات عن فساد بعض قيادات الجيش المسيطر على جزء معتبراً من الاقتصاد المصري. يمكن أيضا أن تستمتع إلى أضعاف ذلك مما يشتهي خيالك من الحكايات،
ليس لأن هناك مؤسسة شيطانية، مبارك أيضا لم يكن شيطانا، لكن الجيش مؤسسة كأي مؤسسة بشرية يمكن أن تفسد وتحتاج للمراقبة والمحاسبة ومن يجعل نفسه فوق المحاسبة عليه أن يتحمل كل ما لا يمكننا توثيقه عن فساده أو استقامته، خاصة أن ظهر في خطاب قيادات هذه المؤسسة وسلوكها وسلوك بعض أفرادها أنها تتبع في الغالب الطريقة الثانية في «الحفاظ على البلد».
انطلاقة الثورة بدأت في حفر قبر هذه الطريقة، فكسرت جهاز الشرطة وتسعى لهيكلة وزارة الداخلية.
وإذا كان من الصعب أن تستمع إلى انتقادات ضد الجيش قبل شهور، رغم أنها كانت حاضرة في كثير من الحوارات الجانبية ومقالات قليلة مثل ما كتبه مايكل نبيل وتسبب في سجنه، فإن الهتافات بسقوط حكم العسكر وضرورة محاكمتهم التي دوت أمس في مسيرات الشوارع وحشود الميادين تعلن أن 25 يناير الجديد ليس ذكرى ثورة بل محطة على طريق ثورة مستمرة تريد إنهاء مسخرة الحفاظ على البلد بالطريقة الثانية.
شخصيا لا أشك أن العسكر سوف يفسحون الطريق لانتخاب رئيس مثلما أفسحوا الطريق لانتخاب برلمان، وسيعلنون أنهم قد سلموا السلطة، لكن الضغط لتسليم السلطة فورا والهتاف بسقوط المجلس العسكري ليس نفاد صبر أو رغبة في الصدام، بل هدفه أن تستلم المؤسسات المدنية السلطة تحت ضغط ثوري بشروط ثورية تبدأ فعلا ديمقراطية حقيقية يمكنها أن تحافظ على البلد بالطريقة الأولى، وأن تتولى مراقبة ومحاسبة وتطهير المؤسسة العسكرية، لا أن يتم التسليم بشروط المؤسسة العسكرية وترتيبها، لأنها ستحاول الإبقاء على سلطاتها الكثيرة وامتيازاتها وحصاناتها في قلب الدولة المصرية بدعوى «الحفاظ على البلد» بالطريقة الثانية.
أقول قولي هذا وأذكركم ونفسي أن والد صديقي الضابط السابق في أمن الدولة، قد أدهش صديقي منذ انطلاق الثورة بدفاعه الحار عن المجلس العسكري والجيش وحقهم في إدارة البلد في هذه المرحلة الصعبة رغم انتقاداته السابقة للمؤسسة العسكرية. إنه الانحياز والحنين إلى نفس الطريقة في «الحفاظ على البلد»!
قديمة يا أفندم منك له! خربتم البلد ستين عاما عاشت مصر فيهم مع تشكيلة متنوعة من حكم العسكر والضباط ووصايتهم. كفاية!


نشر في موقع "المصري اليوم" 26 يناير 2012
الصورة من الاعتصام عند ماسبيرو مساء 26 يناير 2012

20 January 2012

شوف إزاي أنا هاقلق راحتك!



قال لي: «لو كنت صبرت قليلا داخل الإخوان المسلمين، لكنت الآن أحد شباب حزب (الحرية والعدالة) وأحد كوادر الحزب الحاكم ولديك القدرة على التأثير الإيجابي على مستقبل البلد، بدلا من أن تظل دائمًا في موقع الأقلية المعارضة».

ابتعدت عن «الإخوان المسلمين» مرتين، مرة في أول الدراسة الجامعية، لأنني لم أطق صبرًا على روحها ومواقفها، التي أدمنت الدوران اللانهائي في المكان، وفضلتُ ساعتها الصلابة المبدأية في التيار السلفي، أو في قطاع منه.

والمرة الثانية في نهاية المرحلة الجامعية، بعد أن بلغني من أحد مشرفي «الجماعة» على النشاط الطلابي أن العدد الذي حرّرته من مجلة «التيار الإسلامي» في جامعة القاهرة مليء بـ«كلام اليساريين»، فشكرته واتجهت يسارًا.

لم أكن وحدي، الذي يعيش تحولات سريعة وقلقة، ولكن العديد من أبناء جيلي، جيل بداية الألفية، كانوا كمن يسابقون الزمن في البحث والتجريب، بحثا عن موقف ومخرج من أيام راكدة وبليدة لا تناسب تطلعاتنا.

أبناء هذا الجيل، الذين ساقتهم رحلة التحولات والتجارب إلى داخل جماعة «الإخوان المسلمين» عشت مع العديد منهم لحظة اختيار مفصلية: «الصبر على الركود والتكلس الحركي والفكري داخل الجماعة والبقاء كـ(أقلية قلقة) تبحث عن مساحات حركة في الداخل، وإما الخروج والبحث عن ساحات أخرى».

الآن.. في هذه اللحظة التي أنقذت فيها الثورة جماعة «الإخوان» من الدوران في المكان ومكّنتها من المضي قدما، فإن كل من أعرفهم تقريبا من شباب «الإخوان»، بمن فيهم ممثلو الجماعة في تنسيق احتجاجات يناير الماضي واعتصام التحرير، قد تركوا الجماعة إلى خيارات أخرى أكثر حيوية وتجددًا ومغامرة، من بينها حزب «التيار المصري»، أو انسحبوا من الجماعة، احتجاجا على مواقفها الأخيرة أو انحيازًا إلى «حملة دعم عبد المنعم أبو الفتوح مرشحًا للرئاسة».

وأصبحنا مرة أخرى، أنا والعديد من رفاق النشاط الطلابي الإخواني، مرة أخرى معا في خانة «الأقلية السياسية القلقة».

التعبير الأخير كان عنوان المقال الأحدث لرفيق حبيب في جريدة حزب «الحرية والعدالة»، وحبيب هو نائب رئيس حزب الإخوان، «الحرية والعدالة»، والذي يحلو للكثيرين وصفه بـ«المفكر القبطي».

وتشاء الأقدار أن العديد من الأصدقاء، الذين تكاد الدماء الإخوانية تسري في عروقهم، ينطبق عليهم الآن وصف «الأقلية السياسية القلقة»، بينما السيد «حبيب» يتحدث من فوق كرسيِّ الأغلبية السياسية المنزعجة من تصرفات هذه الأقلية.. دنيا !

خلاصة وصف «حبيب» للأقلية السياسية القلقة أنها «تتكون من مجموعات شبابية وعلمانية»، ليبرالية ويسارية، ترى أن لها دورًا مركزيا في الثورة المصرية، ولكنها لم تنل ثقة الناخبين ولا تجد لها دورًا في المسار السياسي، فهي معادية لعملية التحول الديمقراطي، وتحاول أن تضيف لرصيدها كتلا جماهيرية قلقة من المهمشين وأسر الشهداء والمصابين، وقضيتها المحورية هي القصاص لدماء الشهداء والمصابين حتى تبقى الحالة الثورية في الشارع، وعن طريق استمرار التظاهر والاعتصام تضيف شهداء ومصابين جددًا تتظاهر من أجلهم في دائرة مفرغة- حسب رأيه- وتحاول أن تفرض مسارًا سياسيا انتقاليا (علمانيا) بعيدًا عن صندوق الانتخابات الذي فشلت في أن تكون مؤثرة فيه».

وأشك أن السيد «حبيب» لا يعرف شيئا عن مجموعات شباب «الإخوان»، التي تتحرك الآن خارج الجماعة وسط «الأقلية السياسية القلقة»، لذا يكون من الاختزال ابتداءً وصفها بـ«العلمانية» أو أن حركتها يحكمها محاولة فرض سيناريو «علماني».

ولكن بعيدًا عن الاختزال، فإن هذه المجموعات، التي كان لها دور مركزيٌّ بالفعل في إشعال شرارة الثورة المصرية، لديها مشروع للتحرر من السلطة وتقويمها أكثر من كونها لديها مشروع للحكم والسلطة.

يمكنني أن أتفق مع السيد «حبيب» أن بعض هذه الأقلية قلق بالفعل، لأنه يحاول أن يجادل في الافتراض السابق أو يتجاوزه، وكان لديه من الآمال أكثر من أن تظل هذه الأقلية معارضة نشطة تقوّم حركة السلطة وتصحّحها.

الدعوات المستمرة لأن تنظم قوى الثورة والمجموعات الشبابية نفسها لتحكم، تنبع من هذا القلق وتكرسه، ولكن إن سمحتُ لنفسي أن أتحدث باسم قطاع من هذه «الأقلية القلقة» أراه يعبر عني وربما يرى كلامي معبرًا عنه، إنها أقلية تتسم بالفردية الشديدة والحركة العفوية القائمة على المبادرة والتوافق بعيدًا عن السمع والطاعة التنظيمية والمواقف الجماعية المنظمة، ومحاولتها الإبقاء على الحالة الثورية في الشارع من السخف وصفه بالمؤامرة التي تستهدف المزيد من المصابين والشهداء، ولكنه ببساطة إصرار على أن تفرض الحالة الثورية أكبر مساحة من الحريات في الشارع، وهي الضمانة الأساسية لاستمرار الديمقراطية، التي ليست مجرد ورقة في صندوق تفرح به الأغلبية وتستقر على الكراسيّ.

تلك الأقلية القلقة، ومعها كتل المهمشين إن استمرت حركتها في إضافة مصابين وشهداء جدد، فهي دليل على أن السلطة لا تزال تنتهك حياة المواطنين، وهو ما يثير القلق ممن يدير المرحلة الانتقالية ومن يسكت على هذه الإدارة تذرعا بأنها فترة انتقالية يتم فيها «تأسيس الديمقراطية»، هل يمكن تأسيس الديمقراطية دون حرية الاحتجاج، التي أتت بها أصلا بعد طول غياب؟.

المقلق حقا هو أنه بعدما ارتدت الأغلبية ثياب السلطة أصبح لسانها وجريدتها يتحدثان عن المعارضة بقلق واتهامات: «هي مجموعات مقربة من الخارج.. أقلية تثير القلق وتريد اعتراض المسار الديمقراطي ولا تريد الصبر على مسيرة الإصلاح».. أنا أشم رائحة قلق الحزب الوطني.. دنيا !

قطاع كبير من شباب «الأقلية القلقة» يطالب الآن برحيل «المجلس العسكري» فورًا وبتسليم سلطة إدارة المرحلة الانتقالية لبرلمان هذه الأغلبية يوم 25 يناير، وربما في هذا ما يدحض كل كلام السيد «حبيب».

ولكن ما أحب أن أؤكد عليه أن قطاعًا كبيرًا من هذه «الأقلية القلقة»، ربما يكون أغلبيتها، سيحب دائما أن يستمر في كونه مسمارًا في كرسيِّ السلطة، لكي لا يستريح من هو فوقه آمنا مطمئنا، وربما من الأفضل أن يمارس السلطة واقفا قلقا مستعدًّا للرحيل في أقرب فرصة..

وإن كان قلق من هو على الكرسيِّ سيتصاعد وسينفد صبره الديمقراطي وينتهك الحريات، فإنهم سيحبون أن يكونوا مرة أخرى مسمارًا في نعش سلطته، والله الموفق.




نشر في موقع "المصري اليوم" الخميس 19 يناير 2012
العنوان مقتبس من أغنية لميريام فارس

عزيزي شريف .. أنت فاجئتني !

عزيزي شريف،،

إيه؟!


13 January 2012

لحظة القصاص تقترب.. ليس من مبارك.. منك أنت.. أيوه أنت!


لم أعتقد أبدًا في وجود ما يسمى الثورة المضادة، لا تستحق «معافرة» بواقي النظام شرف التسمي بـ«ثورة»، كما لم أحب أبدًا تعبيرات مثل الثورة الثانية أو الثالثة، هي عندي ثورة واحدة مستمرة تتوالى موجاتها، تعلو وتهبط، تتقدم وتتراجع، في مواجهة مقاومة مستمرة من النظام وحلقاته الكثيرة المتعددة في كل مكان وكل لحظة.

بشكل نصف واع كنت أبحث دائمًا في مانشيتات الصحف الحكومية عن الخطة المتجددة لـ«النظام» في مقاومته المستمرة للثورة المستمرة، بداية من مانشيت «الأهرام» يوم 12 فبراير 2011: «الشعب أسقط النظام».. الخطة: «انتهت الثورة بحمد الله، من سقطوا هم النظام أما نحن فمن حمى الثورة، انتظروا ثمار الثورة في هدوء مثلما انتظرتم ثلاثين عامًا! وسنقوم بتوصيل مطالبها وثمارها إلى منازلكم، والله الموفق»، وحتى مانشيت «الأهرام» يوم 5 يناير 2012: «لحظة القصاص تقترب» وتحتها صورة مبارك وجمال والعادلي.. الخطة: «بينما يقترب 25 يناير مرة أخرى، دعونا من شهداء ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، ولنرجع للموضوع: النظام كان مبارك ورجاله، والشهداء هم ضحاياهم، لنترقب الحكم على مبارك ونحتفل به وبالقصاص العادل، وشكرًا والله الموفق».

المفارقة كانت في العناوين الأخرى للصفحة الأولى: «ضباط وجنود أطلقوا الأعيرة النارية على المتظاهرين»، «عمليات دهس مقصودة» و«المتهمون حرضوا واشتركوا وقدموا المساعدات للقتلة». وهي العناوين التي يمكن أن تتصدر الصفحات الأولى عند محاكمة العسكر المسؤولين مباشرة أو سياسيًا عن قتل متظاهرين في ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء.

باقي أركان النظام في المجلس العسكري وأشباههم في كل مكان يحاولون إيهام الرأي العام بأن القتل انتهى والثورة انتهت، بينما يحال للمحاكمة نشطاء وسياسيون وتوجه إليهم النيابة تهمة: «إيهام الرأي العام باستمرار الفساد!»، ذلك لأنهم تجرأوا وقالوا للمجلس العسكري: القصاص منك أنت.. أيوه أنت!

المبالغة في شيطنة أشخاص مبارك ورجاله من أهم خطط ما تبقى من النظام لمقاومة الثورة المستمرة، كأن الفساد كان حصريًا لهم وبينهم، مبارك لم يكن شيطانًا ولكنه كان نجم الغلاف لنظام من التسلط يحمي كل أشكال القمع والفساد والبلادة، كان الحلقة الأقوى التي تتكاتف لحمايتها حلقات كثيرة تحت السطح، كما يفعل الآن كل المتكاتفين حول المجلس العسكري، بعد أن يحاولون إيهامنا بأن كل ما كان بين حلقتهم وحلقة مبارك تم بتره أو كان على وشك البتر لولا الثورة الطاهرة التي سبقتهم بثوانٍ معدودة.

ما تبقى من حلقات النظام لايزال يضم متسلطين وفاسدين ومنافقين يمارسون معًا «علاقات كاملة»، ويتمنون استمرار الوصال والاستقرار، ومن المزعج بالطبع بالنسبة لهم أن يحاول البعض «إيهام الرأي العام بأن الفساد لايزال مستمرًا» بينما نقترب من الاحتفال بـ«ذكرى الثورة المجيدة».

الثورة لم تصبح بعد ذكرى، ولا مجرد مناسبة للاحتفال، لأن نظام العدوان والكذب وتبريرهما لايزالان مستمران. خلف كل اللعبة السياسية وتعقيداتها هناك حقيقة صلبة هي الأهم والأكثر جذرية، إن كنا نريد حرية وكرامة حقًا: العمود الفقري للنظام الذي يجب أن يسقط كله هو عبارة عن حلقات ممتدة متصلة: ممن يقتل ويعتدي ويكذب ويبرر، وانتهاءً بمن يقبل القتل ويبتلع الكذب والتبرير.

من أعلى رأس في المجلس العسكري إلى ذلك «المواطن الشريف» الذي انتظر ثلاثين عامًا ومازال ينتظر على مقهى يقرأ مانشيتات الصحف الحكومية، ويتوهم أن الثوار عادوا إلى بيوتهم، ويتساءل مع رفاقه: «إيه اللي نزِّل الناس تاني ميدان التحرير؟ وليه البنت كانت لابسة عباية على اللحم؟».

محبو الحرية يخاطرون دائمًا بأن يكونوا الضحية حتى يتوقف القتل والقمع وتتعطل آلته، ومحبو السلطة يخاطرون دائمًا بأن يكونوا قتلة وقامعين أمام أي حركة شارع، لأن قوة الشارع تتوعدهم بشلّ أداتهم القمعية أو إزالة هيبتها، وساعتها سيصبحون عرايا حقًا بلا حتى عباءة على اللحم، وينتهي بهم الحال في المحكمة خلفًا لمبارك.

من يحاول إيهامنا بأن مبارك هو آخر المجرمين، ليس إلا مبارك الجديد، ومن يحاولون إيهامنا بأن محاسبة المجرمين الجدد تهدد الاستقرار والأمان ليسوا إلا الفلول الجدد.

مر عام على انطلاقة الثورة، ومحاولاتهم إيهامنا بأنها انتهت لاتزال مستمرة، ولكن لسوء حظهم أن كثيرين لايزالون يشكلون بحركتهم حلقات استمرار وتواصل الثورة في كل شارع ومؤسسة وميدان.

اختاروا فريقكم.



نشر في موقع "المصر اليوم" 12 يناير 2012

إهانة ليه؟



بغض النظر عمن صمم أو من نشر، أنا أحب أن أعرف ممن يعتقدون أن هذه الصورة تتضمن إهانة للدين الإسلامي، لماذا فعلا، بجد، حقيقي، تعتبرون هذه الصورة إهانة؟

08 January 2012

عزيزي شريف .. فكك من اللي إنت فيه!


عزيزي شريف ،،

ظنك في محله. الاحترام الشخصي المتبادل بيننا لا يزال قائما. وأرجو ألا تأخذ محاولتنا إفساد مؤتمر شفيق في امبابة مأخذ الجد.
نعم لقد حاولنا إفساد مؤتمر شفيق الذي تنشط في حملته،، ولكنه كان فاصلا فكاهيا بالنسبة لي، وإن كان جوهريا لأن الثورة لا تعني لي سوى تعبيرنا عن احتقارنا المستمر والحاسم لولاد الوسخة. وهو ما حدث.
يا شريف، قرأت لك الكثير من التبرير لوجودك إلى جانب الفريق شفيق. وبسببها تحديدا خففت قليلا من تصنيفي للناس أوقات الثورات إلى ثوار يواجههم ولاد وسخة. واضفت إليه: ناس ضايعة!
ولكن لا يمكنني أن أتجاهل أن "الناس الضايعة"، رغم كل الاحترام الشخصي والود وربما الشفقة، إلا أنهم في النهاية يصبون في معظم الأحيان إلى جانب ولاد الوسخة.
جنود الأمن المركزي وجنود الجيش الغلابة الذين شاركوا في قتل رفاقنا وإصابتهم هم أفراد ضائعون لكنه في النهاية مجرد حشود وجنود ولاد الوسخة. ولا يمنعني التعاطف الشخصي مع أحدهم، لدرجة الجلوس والبكاء بجانبه على حاله فيما بعد، أن أرميه بالطوب وقت المواجهة وأن أركل درعه وخوذته.
لن أناقشك بشأن شفيق وكفاءته، لا قدرة لي على تقييم التقارير عن أداءه في مجال الطيران المدني، وإن كنت أرى أن حال مطار القاهرة ومصر للطيران خرا، وحقائبي تاهت مرتين! ولكن هذا ليس موضوعنا.
الموضوع ببساطة يا شريف أن هناك ثورة، آه والله، أصرت على البدء في الإطاحة بنظام من الاستبداد الذي يحمي كل أشكال التسلط والفساد والبلادة، ورحيل مبارك كان فقط مجرد إشارة البدء لانطلاق الثورة ضد النظام، وشفيقك كان مجرد رجل نظيف اليد وكفء في عمله، بفرض صحة كل كلامك، ولكنه في النهاية كان مجرد بيدق شطرنج حرّكة ولاد الوسخة، بل مبارك شخصيا، ابن القحبة نفسه، في محاولة لمحاصرتنا شعبيا بدفع رجل نظيف لواجهة النظام مع العديد من الوعود بشان الديمقراطية. وبعدها كان ما سيحدث هو بعض الإصلاحات وتطهير لواجهات النظام وتطهير للبلد منا نحن وكل من شارك وحرض وأرادها ثورة.
إنت شايف اللي بيحصل دلوقتي لصحابنا مالك وعلاء يا شريف! كان ايه اللي هايحصل لو كان مبارك لسه موجود وشفيق بتاعك ما كانش حل جهاز أمن الدولة؟ ما تفوق يا شريف!

شفيق في أحسن الأحوال مجرد بيدق عبيط في فريق ولاد الوسخة، إن لم يكن ابن وسخة أصيل. ولاد الوسخة ليست سبة ولا قلة أدب، ولكن منهم أهالينا وجيراننا ومواطنون شرفاء كثر لا يجدون غضاضة في التسلط والاستبداد من أجل الأمن والأمان والاستقرار. تماما كما كان شفيق وزيرا ثم رئيس وزراء يحترم مبارك، أي واحد يحترم مبارك يا شريف يبقى ابن ستين وسخة! فوق يا شريف!

أي موظف شاطر كان جنب مبارك وساكت علشان يعرف يعمل شغله وبيعارض مبارك في سره وبينه وبين ربنا، ربنا يجازيه خير يا روح قلبي. لكن أنا شايف إن دوري إني أقوله مش عاوزين من العينات دي تاني علشان ولاد الوسخة اللي زيك بيشجعوا ولاد الوسخة الأوسخ منهم على الاستمرار والاستقرار. لما تبقى تعرف تقول لأ ده غلط، ده فساد، ده استبداد، تبقى تيجي تشتغل سياسي وترشح نفسك. معلش هارد لك فرصتك راحت المرة دي. تقاعد بقى يا هزؤ وما تهزأش نفسك.

ما حاولنا فعله يا شريف يوم مؤتمر امبابة أننا قلنا له: ارحل زي مبارك.ما إنت كنت بتلعب في فريقه يا جحش! ما كنتش تعرف يا حمار! مش كنتم مع بعض، سواء ولاد وسخة زي ما بنقول أورجال دولة أطهار من داخل النظام، مش حرامية زي عز مثلا، هأو! مش عيب لما مبارك يسقط ويتقلب على ضهره والثورة تفرض وضع جديد ييجي هو عاوز يبقى رئيس! دي أخلاق ولاد وسخة صحيح!
يا شريف، فكك من اللي انت فيه ده وارجع، وفكك من موضوع "الرجل البنائي الجميل” .إنت جاي في فبراير تمسك في شفيق وتقول لي بنائي. أحا يا شريف! ما تعرفش إن الثورة بتهدم وتكسر في السلطة الاستبدادية وبتقطع أذرعها؟ ما تفوق يا بني!

فكك من اللي انت فيه ده يا شريف. آخر حاجة كنت أتصورها وكويس إني ما شفتهاش بعيني إني أشوفك جنب البنائيين الإصلاحيين الحلوين اللي بالصدفة بعضهم من كبار المعرصين في الحزب الوطني في امبابة، اسأل لو ما تعرفش!
كنا مع بعض قليلين زمان ضد ولاد الوسخة يا شريف، دلوقتي جموع أكثر في كل مكان مع الثورة ومع الحرية وضد ولاد الوسخة. ولكن لا تزال الأغلبية مع أي استقرار وتعطي صوتها لأقرب استقرار ولأقوى بديل في الصندوق. إرادة الصناديق هي اللي بتشكل موقفك يا شريف؟!
كنت معنا في الحملة لمساندة حق البهائيين في المواطنة وأنت تعلم أن استفتاء شعبيا كان سيهرسهم. الصناديق ليست إلا ضربة بداية وأداة للديمقراطية، التي تحتاج طوال الوقت لأقلية من الأحرار لتجعل المجتمع والدولة يخافان من انتهاك الحرية، التي يمكن أن تنتهك ببساطة وبشكل أبشع باختيار أغلبية الصناديق أو صمتهم. سمعت عن الفاشية يا شريف؟
الأغلبية في الشارع كانت واقفة تتفرج يا شريف، لكن كانت هناك، كما هو الحال دائما، أقلية عنيدة أكثر وحالمة أكثر ومؤمنة بالثورة، زي الست اللي ما أعرفهاش اللي بتقول عليها اللي شتمتكم من البلكونة. أنا ما أعرفش كل حاجة عنها، لكنها اختارات تكون مع الثورة و ما كنتش أتمنى ييجي الوقت اللي ست من بلكونة في امبابة تبقى في صفنا وإنت تبقى مع الناس اللي طلعت تشتمهم وتقول لهم يا فلول يا زبالة وتدلق عليهم مياه وسخة!
ارجع يا شريف!