17 March 2011

أكثر من «نعم» وأكثر من «لا»

ورقة الاستفتاءعلى التعديلات الدستورية المقترحة التي سيدلي فيها المصريون باختيارهم السبت القادم، لم تسمح لهم إلا بالانقسام إلى كتلتين يدور بينها نقاش وجدل محتدم بين «نعم» و«لا». ولكن التفاصيل داخل كل موقف تحمل تنوعات أكثر وربما بعض تناقضات داخل كل كتلة.

هناك «نعم» اقتناعا بأن التعديلات ترسم طريقا محددا مقبولا نحو دستور جديد يمر عبر برلمان منتخب وفترة انتقالية أقصر، وهناك «نعم»، منتشرة على بعض المواقع السلفية، تعتقد أن التعديلات تقطع الطريق على دستور جديد تماما وذلك يحمي المادة الثانية في الدستور المتعلقة بالشريعة الإسلامية ويقطع الطريق على «مؤامرات العلمانيين والنصاري» بحسب تعبيرات هذه المواقع.

هناك «لا» لا تزال تعتقد أن التعديلات فعلا تقطع الطريق على دستور جديد وتجعله رهنا برغبة رئيس الجمهورية أو أغلبية البرلمان ولا تزال تجادل في إلزام المادة 189مكرر في التعديلات. وهناك «لا» تتمسك بدستور جديد الآن قبل أي انتخابات تجرى وفق الدستور القديم.

هناك «نعم» من تيارات متشوقة إلى صندوق الانتخابات البرلمانية أولا ثقة في انتشارها، في هذه الجبهة يقف الإسلاميون. وهناك «نعم» تؤكد ضرورة خوض المغامرة الديمقراطية في أقرب وقت بدلا من فترة انتقالية مرتبكة وتراهن على تغير خريطة الشارع السياسي بعد المشاركة الواسعة المتوقعة كنتيجة لثورة شعبية استطاعت حشد الملايين في الشوارع هتفوا معا من أجل دولة مدنية وديمقراطية.

هناك «لا» من تيارات لا تزال تطالب بفترة استعداد و تؤكد وجاهة ثقة الإسلاميين وتخشى من انتخابات برلمانية مبكرة، وهنا يقف العديد من الأحزاب والحركات والنشطاء وكتلة كبيرة من الأقباط. وهناك «لا» تعتد بثقتها على حشد إجماع في الشارع وتوافق بين القوى السياسية يمكنه أن يضغط من أجل استكمال تحقيق مطالب الثورة وفق سيناريو تطرحه هذه القوى وليس السيناريو الذي فرضه الجيش بهذه التعديلات، و

هناك «لا» أخرى تعلن ثقتها في الجيش وتطالبه بإعلان دستوري وتعيين لجنة تأسيسية أو تشكيل مجلس رئاسي للفترة الانتقالية.

هناك مثلها «نعم» تطرح ثقة كبيرة في الجيش وإدارته للبلاد وتحديد الخطوات نحو الديمقراطية، وهناك «نعم» لا تزال تميل للموافقة على كل بديل تطرحة السلطة المطروحة خوفا من الفوضى والمجهول. ولكن هناك «نعم» تعترض على أسلوب طرح الجيش للاستفتاء وقلقة من استمرار الجيش كسلطة تدير البلاد، ولكنها توافق علي الاستفتاء رغبة في تقليص فترة إدارة الجيش للبلاد وتعلن قلقها من أسلوب تعامله مع التجمعات الجماهيرية واستخدام العنف في فض الاعتصامات وإحالة المدنيين لمحاكمات عسكرية وتعرضهم للتعذيب وانتهاك حقوقهم أثناء احتجازهم.

هناك «لا» قلقة على الديمقراطية من أن تبدأ في ملعب غير مؤهل ووقت غير موات فتجهض الثورة، وهناك «نعم» قلقة على الديمقراطية من استمرار الفترة الانتقالية في أجواء أمنية متوترة تدفع الجيش لإجراءات تحدد الحريات ومنها حق التظاهر والاعتصام فيجهض غياب الديمقراطية الثورة.

هناك «لا» تتمسك بالشرعية الثورية وتخشى ذوبانها وسط محيط انتخابات تتوقع أن تحكمها العصبيات والأموال ومراكز القوى القديمة في النظام، وهناك «نعم» تتمسك بالشرعية الثورية وتخشى ضياعها وسط مداولات رموز سياسية وتفاوضها مع الجيش، ولأن الثورة لا مركز لها يعلن عن هذه الشرعية – كما هو الحال في حركة الظباط الأحرار في 1952– لذلك ترى ضرورة أن تكون أقرب هيئة منتخبة تعبيرا عنها ولا تريد أن يظل الجيش متحدثا باسم هذه الشرعية الثورية التي انتزعها الشعب.

هناك «نعم» تريد أن تلتقط أنفاسها بعد التسارع الجنوني للإيقاع الفترة الماضية، وهناك «نعم» تريد أن تشمر فورا للمعركة الديمقراطية متفائلة بنفس الإيقاع. هناك «لا» تريد استمرار الإيقاع الثوري وترفض الهدوء والقبول بما تراه أنصاف حلول، وهناك «لا» تريد أن تلتقط أنفاسها قبل المعركة الديمقراطية.

الجدل المحتدم المضغوط في الفترة القصيرة الماضية يعكس مشهدا مثيرا للتفاؤل. «نعم» و«لا» التي تقال باهتمام وحماسة هي أكثر من «نعم» و«لا» باردة في خانة استفتاء. الاهتمام السياسي الوطني المتوقد حاليا يقول أنه مهما كانت النصوص فإن إرادة هؤلاء الذين يعتنون بمصيرهم بهذه الحماسة لا يمكن أن يتم تجاوزها دون رضاهم.