بنصف عين، قرأ سائق التاكسي معي عناوين تغطية حريق البرلمان في الصفحة الأولى من"البديل"، ثم وضع يده بكل ثقة على عنوان: "االحريق يلتهم ملفات ضحايا العبارة وأكياس الدم والمبيدات المسرطنة وقطار الصعيد" وقال:" هو دا الموضوع" وغمز بعينه يعني: اكتشفنا الأمر!
"البديل" صدرت أمس الخميس بنفس العنوان المشكلة الذي يعتقد أنه سبب "التعليمات الأمنية " التي كانت بدورها سبب رفض مطابع "الأهرام" طبع الطبعة الثانية من عدد الأربعاء.
وهو ما يعني عدة احتمالات، إما أن الأنباء عن التعليمات الأمنية لم تكن دقيقة، أو أن هذه التعليمات كانت تبريرا لرقابة ذاتية مارستها المطبعة، أو أن التعليمات لم ترد تصعيد الأمر في هذه اللحظة لتثار قضية منع جريدة من الصدور. وربما كان الأمر سببه السلوك المتكرر لمطابع الأهرام والضائق بـ"البديل" بشكل عام، بحسب تصريحات مسئوليها عن تكرار تأخر صدور الجريدة ، أو أن الأمر يندرج تحت ما يسمى بـ"حروب التوزيع" بين الصحف المستقلة.
ولكن فيما يتعلق بالعنوان نفسه، فالعنوان حرفيا يقول أن ملفات لهذه القضايا أكلتها النيران التي أصابت مقر لجان النقل والصحة والزراعة، وهو ما يحتمل وقوعه ولكن لم تؤكده مصادر بحسب ما قرأت. بالإضافة إلى أن ما يوحي به العنوان، وما يوحي وضعه كثاني عنوان في الصفحة الأولى، هو الإشارة إلى ضياع هذه الملفات وفقدانها نتيجة لذلك، وهو ما يجعل الأمر خطرا وهاما ويبرر إبرازه. وهو ما يبتعد عن الدقة في رأيي، خاصة وأن عدد الخميس نفسه تضمن تصريحات لبرلمانين أكدوا أن الملفات محفوظة في مكان لم تصل إليه النيران، بالإضافة لوجود نسخ من هذه الملفات في مبنى آخر.
ولكن مهما كان الأمر، فأعتقد أن إعاقة طباعة "البديل" لا خلاف على إدانتها ورفضها، فقبول عدم طباعة الجريدة بسبب عنوان رأته المطبعة أو الجهات الأمنية غير مناسب، هو قبول لرقابتهما – التي لا نفتقدها كثيرا - على الإعلام.
كما أعتقد أيضا أنه مهما كانت الحكومة سيئة، فليس هذا مبررا كافيا لحديث الناس بيقين عن تعمد ما بغرض إعدام ملفات القضايا الشائكة. فالإهمال والفوضى سيدا الموقف. ولكن سائق التاكسي لم يبد له ذلك مقنعا، إلا يعدما ذكرته أنه أيضا يتمم شكليا إجراءات الأمن والسلامة وأنه طلب مني التظاهر بربط الحزام عند اقترابنا من لجنة مرور، وذكرته أنه التفت عن الانتباه للطريق عدة مرات لكي يقرأ معي الجريدة. لذا فإنه اقتنع في النهاية أنني يجب أن أتهمه، إن وقعت حادثة، بالإهمال لا بالتآمر لقتلي. ولكن ما فشلت في إقناعه به هو أن الإهمال شيء مشين، وأنه مختلف عن الصدفة والقضاء والقدر. لأنه حاول بعدها بدقائق مدفوعا بقناعته الجديدة اختصار طريق بالسير عكس الاتجاه، وكدت أتهمه بالتآمر من أجل قتلي، ولكن قدر الله ولطف.